نهاد أبو القمصان
حظيت قضية التحرش الجنسى فى الآونة الأخيرة باهتمام العديد من الأوساط الإعلامية والأكاديمية والمجتمعية وعلى كافة مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حتى أصبح جزءاً من خطاب الحياة اليومية بين النساء فى المجتمع المصرى، فقديماً كانت المرأة تخشى أن تتحدث وتصرح بتعرضها لأى شكل من أشكال التحرش ولكن مع تفاقم المشكلة وزيادتها، وحدة صورها وجدن أن السبيل أمامهن هو التحدث بينهن وبين بعضهن حول هذه المشكلة ومحاولة البحث عن حلول لها، لأنها أصبحت مشكلة حقيقية تعانى منها النساء فى المجتمع المصرى بصفة عامة وبشكل يومى، سواء فى الأماكن العامة كالأسواق العامة والمواصلات العامة والشارع أو الأماكن الخاصة، سواء كانت المؤسسات التعليمية وأماكن العمل والنوادى الرياضية.. إلخ. فقد كن يخفن البوح لئلا يتعرضن للوم أو عقاب أو فرض قيود على حريتهن وحركتهن قد تصل إلى الحرمان من الدراسة أو العمل رغم أنهن ضحايا. ومما زاد الأمر تعقيداً ظهور بعض المتشددين الذين يقدمون تفسير الدين الإسلامى بمنظور يتعامل مع النساء باعتبارهن عورة لا بد أن تتغطى، أصبح التحرش شكلاً من أشكال العقاب للنساء التى لا تبدو متوافقة مع صورة المرأة فى مخيلة المعتدى.
ومع ظهور نتائج دراسة «غيوم فى سماء مصر» الصادرة عن المركز المصرى لحقوق المرأة، التى تركزت على دراسة ظاهرة التحرش الجنسى وأكدت النتائج على عينة من 2020 من المصريين والمصريات و98 من غير المصريات «الأجنبيات» أن 83% من المصريات و98% من الأجنبيات تعرضن بالفعل للتحرش الجنسى بأشكاله المختلفة، حظيت هذه الدراسة بتغطية إعلامية واسعة على المستوى الدولى والمحلى، الأمر الذى فتح نقاشاً واسعاً فى المجتمع المصرى حول المشكلة، ساهم فى كسر حاجز الخوف والصمت لدى كثير من المصريات وساهم أيضاً فى زيادة الاهتمام بهذه المشكلة على مستوى المبادرات الشبابية والمؤسسات الرسمية.
وقد انتبه العديد من الضباط النابهين بوزارة الداخلية وقاموا ببحوث أكاديمية عميقة حصلوا بها على درجات الماجستير والدكتوراه فى جرائم العنف ضد المرأة عامة والتحرش على وجه التحديد، الأمر الذى شكل للوزارة كنزاً معرفياً ساعدها فى اتخاذ خطوات عملية جادة، حيث كانت الإجابات متوافرة لدى أبنائها فضلاً عن الخبراء فى المجتمع المدنى، مما سهل إقامة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، التى بدأت تؤتى ثمارها هذا العام، حيث شاهد المجتمع لأول مرة ضابطات شرطة فى الشارع يعملن بحرفية عالية وجدية شديدة.
هذه الخطوة مهمة على مستويات عدة أولها بالطبع مكافحة الجريمة والحد من التحرش، ثانيها تغيير الصور النمطية للمرأة ومساعدة المجتمع على التخلص من أفكار عادة ما تضع النساء فى قوالب محددة وترسم لهن أدواراً محدودة تساهم فى توسعة دوائر الفقر الفكرى قبل الاقتصادى. هذه الخطوة المهمة لا بد أن يستتبعها مزيد من الخطوات فى وضع آليات محددة للتعامل مع العنف ضد المرأة، أيضاً توسعة نطاق وحدة بلاغات المرأة لتكون فى كل المحافظات وليست مركزية فى وزارة الداخلية، أيضاً تطوير الأقسام لتكون بها وحدات بلاغات العنف ضد المرأة، والأهم هو تدريب الكوادر الشرطية والاستفادة من الخبرات المحلية والدولية المتقدمة فى هذا المجال، وهنا لا بد من الإشارة إلى مركز بحوث أكاديمية الشرطة الذى يزخر بدراسات مهمة وعقول بحثية متميزة يمكن الاستفادة منها.