نهاد أبو القمصان
كان من المفترض أن أكمل مقالات بدأتها عن العنف ضد المرأة وعدم إمكانية السكوت وضرورة التصدى له، لكن شعرت أن السكوت على قتل 18 طالباً وطالبة من أبنائنا محترقين وهم فى طريقهم إلى المدرسة بالإضافة إلى إصابة 19 آخرين بعضهم فى حالة حرجة هو كأننى أشارك فى هذه الجريمة بالصمت.
هذه ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة طالما لا نشعر بهول الكارثة ويسير كل منا فى طريقه يستكمل ما اعتاد عليه، والسؤال الذى يدور فى ذهنى: هل هناك معنى للموت بهذه الطريقة البشعة؟ هل كانت النار تبكى وهى تأكل أبناءنا بهذه القسوة، وهى تشعر بالعجز عن التوقف لأنها بلا إرادة، لكن صراخ الأطفال يؤلمها؟ هل ترأفت بحال الضابط الذى كان مصطحباً زوجته وطفله وأمه فى السيارة الأخرى المنكوبة؟ هل بكت عليهم جميعاً وهى لا تملك التوقف عن التهامهم واحداً تلو الآخر؟ هل كانت سريعة ووهبتهم موتاً رحيماً أم كانت بقسوة البشر الذين انتهت ضمائرهم وتحولت قلوبهم أشد قسوة من الحجر ولا يشعر أى طرف بالذنب، بل يحاول الجميع إلقاء التهم على الجميع لترسو فى النهاية على حوار تافه حول سائقى النقل وكأنهم هم الأشرار والجميع أخيار.
فى الحقيقة، هذه الحادثة جزء من سلسلة جرائم إبادة للشعب المصرى على الطرق؛ فموتانا على الطريق كل عام تخطوا شهداء حرب أكتوبر واقتربوا من شهداء التفجيرات فى العراق والحروب الأهلية فى كثير من الدول.. والمسئولية معروفة.
مهندسو الطرق الذين يصممون طرقاً تخلو من عوامل الأمان والذين يتسلمون طرقاً غير مطابقة لأى مواصفات، إما بالرشوة وإما بضعف الكفاءة، المقاولون المشاركون فى تنفيذ الطرق وهم يعلمون حجم الغش ولكن على يقين أن هذا البلد بلا صاحب واحد يسأل أو يحاسب.
ضباط المرور الذين يقبلون استخراج رخص دون اختبارات حقيقية لأسباب لها علاقة بالمجاملات وغيرها، والذين لا ينفذون قانون المرور بصرامة ويتركون أمناء الشرطة يتعاملون وكأنهم آلهة بأيديهم العقاب أو العفو، وكله حسب التقدير، والذين يخرجون فى حملات مرورية تكشف نسباً هائلة من سائقى النقل المتعاطين للمخدرات ولا يحوَّلون للجنايات بتهم التعاطى!
مسئولو المحليات الذين يتركون الناس تعبث بالطرق وتقوم بعمل مطبات صناعية «ملاكى» أمام كل بيت غير مطابقة للمواصفات وتزيد من تدهور الطرق المهترئة أساساً، والذين لا ينفقون أموال المحليات على خدمات حقيقية تحسن من جودة الطرق والإنارة والنظافة، وتهدر الأموال فى مؤتمرات أو مجاملات أو حفر وردم الشارع الرئيسى، وذلك بلا رقيب أو حسيب، وكله بالحب.
مديرو المدارس الذين يقبلون أن يعبَّأ أطفالنا كالمواشى فى أوتوبيسات أو مركبات لا تصلح للاستخدام ودون الكشف عن كفاءة المركبة أو سائقيها، مسئولو وزارة التعليم الذين يشتكون دائماً من قلة الميزانيات دون النظر فى حسن استخدام هذه الميزانيات وترتيب الأولويات.
والقائمة طويلة.. وفى مقدمتهم كل وزير معنى وذى صلة ورئيس الوزارة ورئيس الجمهورية.
إذا لم ينظر كل منا كل صباح إلى ابنه أو ابنته ويذكر كل طفل التهمته النيران وهو فى طريقه للمدرسة ويدرك المدة الذى ظل يصرخ فيها والألم الذى تحمله، إذا لم نضع أنفسنا مكان كل أم وكل أب أودع طفله فى أمانتنا ليعود له متفحماً أو فى حالة خطرة فلا بارك الله لنا أو لأولادنا.
ولا بارك الله فى وطن يأكل الفساد أولاده ونسير وكأن شيئاً لم يحدث.