نهاد أبوالقمصان
فى الصيف من كل عام يبدأ موسم التنقلات بين المدارس، حيث تقرر الأسر مدى صلاحية المدرسة التى بها أطفالهم، وعادة ما يقوم بهذا التقييم الأمهات، نظراً لأنهن المتحملات مسئولية المتابعة اليومية للدروس والمذاكرة ومستوى المدرسة والمدرسين، كما يتحملن جهوداً ضخمة فى البحث عن المدرسين لإعطاء دروس خصوصية ما بين دروس فى المنزل أو منازل الأصدقاء أو المراكز.
ورغم التصريحات التى دأب عليها وزراء التعليم ضد الدروس الخصوصية منذ عقود لكنها تحولت إلى وباء، نتيجة ضعف مستوى المدارس، خاصة فى الثانوية العامة. حتى أن بعض المدارس ليس لديها فصول للثانوية العامة أو مدرسون أو حتى جدول، مما يضطر الأمهات لتعويض ذلك بالهرولة وراء المدرسين أو الهرولة وراء مدارس أخرى.
هنا تبدأ رحلة من العذاب، فهناك شىء يقال عليه النقل الإلكترونى، وهو من المفترض أن تراسل المدرسة التى بها الطالب بناء على طلب ولى الأمر (الأب أو الأم) المدرسة التى يرغب الطالب للانتقال إليها، مع إعلام الإدارة التعليمية، وهذا كله كما تقول الوزارة إلكترونياً،
لكن هذا غير متبع حتى فى أرقى المدارس، فلا بد من المرور برحلة الأختام والتوقيعات المتعددة من وإلى المدارس والمديريات التعليمية والإدارات، رحلة قد تستغرق أسبوعاً، لذا عادة ما تقوم بها الأمهات سواء عاملة أو ربة منزل وذلك لأسباب عدة منها:
- أن الأمهات اللاتى يتابعن الدراسة بصورة يومية لذا يكن أكثر حماساً للتخلص من المدرسة ونقل الطفل لمدرسة أفضل.
- أن الآباء عادة ما لا يستطيعون ترك أعمالهم لمدة طويلة فى رحلة الجرى وراء الأختام والأوراق. أما الأمهات سواء ربات منزل أو عاملات يستطعن الاستئذان من العمل لأسباب عائلية.
لكن يبدو أن موظفى وزارة التعليم والمدارس لا يكتفون بتعذيب الأمهات، لكن يمتد الأمر لإهانتهن واعتبارهن بلا قيمة وليس لهن دور فى حياة الأطفال، بل ويلعب كل موظف دور الوصى كما يشاء ويمارس صلاحياته طبقاً لدرجة رقى أو تخلف أفكاره، حيث تجد بعضهم يساعد على إنهاء الأوراق، لكن الأغلب يصر أن الأم بلا «لازمة ولا قيمة» ويجب أن يقوم بهذا الإجراء الأب، أو العم أو الجد فى حالة سفر الأب على أن يكون مع أى منهما صورة بطاقة الأب، أما الأم إذا أرادت استلام ملف ابنها أو ابنتها فلا تؤتمن ولا يكتفى بصورة بطاقة الأب وإنما لا بد من توكيل رسمى عام!!
وهنا السؤال: إلى أى مرجعية يستند هؤلاء؟
فعندما سئل الرسول عن أى الأبوين أقرب فقال «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك»، وهو الحقيقة وصف دقيق للواقع، ففى رحلة العذاب بين المدارس والمدرسين عادة ما تتعذب الأم ثم الأم ثم الأم، أما على مستوى القانون والواقع فإذا كانت الأسرة على وفاق فمن المفترض أن الأبوين مسئولان معاً، أما إذا كانت على خلاف فمن المفترض أن الأولاد فى حضانة أمهاتهم لسن الخامسة عشرة، أى الإعدادية، وطبقاً للقانون فإن الولاية التعليمية للحاضن أى الأم.
إذن من أى عصر بائد هذا الفكر المهين؟ وهل آن الأوان للتعامل مع الأمهات بقليل من الاحترام وإنقاذهن من السلطة التقديرية لكل موظف، من يمنح ومن يمنع طبقاً لقناعاته أو ما يوضع فى درجة من رشوة؟ هل يعقل أن تكون الأم بحاجة لتوكيل رسمى لرعاية مصالح أبنائها؟
"الوطن"