بقلم -نهاد ابو القمصان
قيل فى الأمثال أكبر الحرائق من أصغر الشرر، وواقعة التحرش المغلفة بدعوة قهوة هى خير مثال على هذا، فهى واقعة بسيطة كشرارة كان يمكن النفخ فيها لكن تطورت بتداعيات تعكس عدة إشكاليات، فهى واقعة لشخص دون سابق معرفة يتقدم من شابة يطلب مصاحبتها، إلى هنا نحن أمام واقعه تحرش واضحة كان يمكن للشابة أن تلقنه درساً فى الأدب وينتهى الموقف، لكنها صورته ووضعت صورته على الإنترنت كإحدى الوسائل المتاحة لمكافحة هذه الجرائم، ورغم أنه مخطئ لكن استخدام النت يظل محل نقاش، وفتح الموقف نقاشاً بدا فى أوله معتدلاً حظى فيه الشاب ببعض الدعم رغم خطئه، لكن ظل الجميع يرى أنها واقعة تحرش أو على أقل تقدير غير لائق، وكان يمكن للموقف أن ينتهى، لكن الشاب بدوره صور عدة فيديوهات يوضح فيها الموقف، وهذا حقه، لكن التايم لاين والترندات بدأت تتحول ليصبح صاحبنا بطلاً وتتم إدانة الشابة، بل وحملة تشويه وتشهير طالت شابات ونساء مصر جميعاً، والمتتبع لحركة السوشيال ميديا والمتخصص يستطيع بسهولة تحديد ما إذا كان الأمر تفاعلاً طبيعياً أم حركة منظمة من لجان إلكترونية، وهنا يمكن التأكيد أن صاحب دعوة القهوة تداول الفيديوهات وتداول الرد عليه، ولكن تداول الرد خرج من إطار الطبيعى إلى إطار يعرفه جيداً المتخصصون، وهو تكوين لجنة إلكترونية وصلت إلى مرحلة الجريمة فى حق كل النساء، وظهر طفح جلدى قمىء على سطح شاشات الإنترنت، وهو ما يؤثر بالسلب ويسبب أضراراً بالغة على سمعة البلد كاملاً، وقد تم تداول معلومات عن أن الشابة فصلت من عملها، وهنا نكون أمام جريمة ثالثة ارتكبها صاحب العمل، ربما نتيجة استخدام الشاب لدى صاحب العمل، كل هذا يعطى مؤشرات خطرة، فنحن أمام جرائم مركبة تستلزم اتخاذ مواقف حازمة وتطبيقاً صارماً للقانون، حيث لا بد من استدعاء الشاب والتحقيق معه فى جريمة التحرش، أيضاً تتبع الجرائم الإلكترونية وإن كان شكل لجنة أم لا فهذا الأمر خطر كبير ويتعدى الجرائم الفردية إلى تشكيل كتائب إلكترونية يمكن استخدامها فى عدة اتجاهات، والتحقيق فى فصل الشابة من عملها حتى لا يشكل الأمر إرهاباً لأى شابة، قضايا التحرش ليست قضايا بسيطة، وإنما جوهر الأمن، فإن لم تكن الشوارع آمنة فلن يأمن رجل على أفراد أسرته، وما رأيناه من جرائم إلكترونية فى حق كل نساء مصر لهو تدمير منظم لسمعة البلد بأكمله، فإن كانت اللجان الإلكترونية أظهرت صورة سلبية للرجال بأنهم جميعاً يرون التحرش من طبائع الأمور، وأن كل رجال مصر متحرشون، فقد نجحت فى إهانة كل الرجال أيضاً ويظل السؤال أى سياحة أو استثمار يمكن أن ينتعش فى بلد من يزوره على الإنترنت يرى غابة من المتحرشين (هذا ما أظهرته اللجان الإلكترونية)، لذا لا بد من وضع هذه القضية على أولويات الشرطة، وتقديم كل الدعم المادى والفنى للحد من هذه الجرائم.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع