بقلم : نهاد أبو القمصان
لفت انتباهى واقعتان تفاعل معهما المواطنون بصورة إيجابية؛ الأولى واقعة تحرش بفتاة من سائق ميكروباص واستنجدت الشابة بالمارة الذين أوقفوا الميكروباص وحاصروه وتعدوا على السائق وجردوه من ملابسه، واحتجزوه على ظهر الميكروباص شبه عارٍ حتى تأتى الشرطة.
والواقعة الثانية محاصرة شاب خرج من شنطة يحملها على ظهره دخان فاشتبه المارة فيه، خوفاً من أن يكون حاملاً مواد متفجرة، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا أيضاً بالتعدى عليه وتجريده من بنطلونه لحين تسليمه للشرطة، وتلازم مع هذا الأمر بالطبع تصوير ونشر على الـ«فيس بوك».
وقد أطلق سراحه بعد أن قيل إن «الداخلية» تبينت أن مصدر الانفجار كان بطارية اللاب توب الذى كان يحمله. وهو مهندس شاء سوء حظه أن تنفجر البطارية فى ميدان سيمون بوليفار بجاردن سيتى وبالقرب من السفارة الأمريكية.
هاتان الحادثتان فيهما مؤشر جيد فى استجابة الناس وشهامتها، وهو أمر افتقدناه منذ زمن، فقد عانينا لفترة طويلة من عدم اكتراث الناس فى الشارع سواء لأمر خاص مثل تعرض أحد للسرقة أو التحرش، أو الاستجابة لأمر عام مثل سرقة ملكية عامة فى الشارع أو عمل إرهابى.
الجميع انكوى من نار الجريمة سواء الفردية أو العامة، لكن يظل جانب مقلق يحتاج التنبيه لضبط الإيقاع، وهو التدخل الزائد إلى حد ارتكاب جريمة فى حق المشتبه فيهم، ففى الحالة الأولى الخاصة بالتحرش، أو الحالة الثانية الخاصة باشتباه الإرهاب، تدخل الناس وأطلقوا لأنفسهم العنان فى التنكيل بالشخص، الاعتداء بالإهانة والضرب، التجريد من الملابس (ولا أفهم لماذا يتم تجريد الناس من ملابسهم!!).
فى القانون (المتهم برىء حتى تثبت إدانته)، ونقول عليه فى مراحل التحقيق الأولى (المشتبه فيه).
وهنا يكمن الخطر والحد الفاصل بين الإيجابية والشهامة أو الجريمة، فالشهامة هى الوقوف لرد من يرتكب جريمة، التحفظ عليه، تسليمه للشرطة وتقديم شهادة بما رأى ليساعد الشرطة والنيابة فى التحقيق، لكن توقيف المشتبه فيه والقيام بالممارسات التى تمت فهى جرائم مركبة وإن كانت بحسن نية، وهى منذر خطر، فماذا لو فى الواقعة الأولى كانت الشابة مدعية كذباً؟ من يعوض هذا السائق أمام نفسه وأسرته ومجتمعه عن ما تم من إيذاء؟
وفى الحالة الثانية، التى تأكد فيها أن من تم التنكيل به هو مهندس شاب لخطأ تقنى، حدثت هذه الواقعة، كيف سيواجه المهندس الشاب هذا الموقف الصعب؟ وكيف سيؤثر على تفكيره وحياته؟ هذه المواقف قد يتعرض لها أى إنسان يضعه حظه العثر فى موضع اشتباه، أو شخص ما تعمد وضعه فى هذا الموقف، وفى حالة الهرج والمرج الجماعى لا يسمع أحد ولا مساحة للحوار العاقل.
لذا لا بد من توضيح هذا الخيط الرفيع بين تدخل الناس بشهامة أو زيادة الحماس لتتحول إلى جريمة، ومن المهم أن تلعب الدوريات المتحركة للأمن دوراً فى الاستجابة السريعة للبلاغات حتى لا نترك المشتبه فيه ضحية للإبداعات الشخصية فى التنكيل أو تفريغ الشحنات السلبية لديهم.
ولأكرر مرة أخرى دور الناس والشهامة تستلزم التحفظ على المشتبه فيه، تسليمه للشرطة، والأهم هو الانتظار لتقديم بعض الوقت للشهادة بما رأى ليساعد الشرطة والنيابة فى التحقيق وإحقاق الحق، وليس «تلطيش قلمين» كـ«تنفيث» عن غضب شخصى لحين وصول الشرطة وبعدها ينسحب سريعاً فلا يبقى أدلة ولا شهود.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع