بقلم : نهاد أبو القمصان
تعج المحاكم المصرية بأعداد كبيرة من دعاوى إثبات النسب، وأول ما يتبادر إلى ذهن العامة حين الاستماع إلى دعوى النسب أنها ناتجة عن علاقات آثمة، فى الحقيقة الواقع مغاير تماماً، لأن أغلب حالات النسب هى مبنية على علاقات شرعية تحمل الكثير من الغدر والخيانة والتدليس، فكثير منها ناتج عن زواج غير موثق مثل زواج تحت السن خارج القانون بمسميات متعددة ما بين زواج شرعى أو زواج سنة، وجريمة الزواج خارج القانون جريمة تشترك فيها العائلة مع المأذون الذين يكتبون عقداً عرفياً على استمارة تشبه استمارة الزواج ويستكتب المأذون العريس إيصال أمانة حتى لا يتم التبليغ عنه لحين وصول الطفلة السن القانونية وعندها يتم توثيق الزواج فى «دفتر إثبات الزواج»، وهنا لا بد أن نشير إلى تواطؤ الدولة أيضاً، حيث ما زال بيد المأذونين دفتر يسمى «دفتر إثبات الزواج» هو الباب الأساسى للزواج العرفى، وما إن يدب الخلاف بين عائلة الزوجة الصغيرة والزوج حتى يتم إنكار الزيجة وتبدأ رحلة إثبات النسب.
أيضاً كثير من حالات إثبات النسب تأتى نتيجة زواج مبنى على «ظروف خاصة» يتم إيهام الزوجة بعمل زواج سرى لحين حل هذه الظروف، وما إن تتطور العلاقة وينتج عنها طفل حتى يدب الخلاف وتبدأ رحلة إثبات النسب، وتتمثل إجراءات إثبات نسب أطفال ناتجين عن زواج عرفى، فى إثبات عقد الزواج العرفى من خلال العقد إن وجد وشهادة الشهود لتأكيد علاقة الزواج، أو من خلال إثبات الإقامة مع الزوج فى منزل زوجية، وهنا ربما لا تحتاج المحكمة إلى تحليل الحمض النووى DNA، لأن إثبات الزواج يؤكد ادعاء الأم بنسب الأطفال، والقضاء يستند إلى الراجح فى الفقه بأن (الابن للفراش)، ويكون إثبات علاقة الزواج من خلال الشهود أو عقد عرفى أو عقد رسمى ضرورى لإثبات النسب، وهو ما يستغرق سنين.
أما فى حالة إثبات نسب أطفال ناتجين دون زواج، فلا يوجد أمام الأم سوى إثبات الزواج الشفوى من خلال الشهود، أو أن يتم إجراء تحليل الـDNA. وفى حالة امتناع الزوج عن إجراء التحليل باعتباره غير ملزم فلا يوجد ما يثبت نسب الطفل لأبيه وغالباً يتم رفض دعوى النسب، وذلك نتيجة غياب نص فى القانون المصرى يلزم المتنازعين بإجراء تحليل الحمض النووى للأب، حيث لا تجرى هذه الفحوصات إلا إذا وافق الأب على إجرائها، لكن المحكمة لا تلزم الأب بإجراء التحاليل لأن القضاء غالباً ما يرفض دعوى إثبات النسب لاستناده إلى الراجح فى الفقه بأن (الابن للفراش).
هنا يظهر دور القاضى الأب والإنسان الذى ينظر إلى مصلحة الطفل الذى لا ذنب له فيما فعله الكبار، ولا يجب أن يدفع ثمن أخطائهم، عندها يعتبر القاضى امتناع المدعى عليه «الأب» عن إجراء التحليل قرينة على إثبات نسب الطفل استناداً على المادة (5) من اللائحة التنفيذية لقانون الطفل «للطفل الحق فى نسبه إلى والديه الشرعيين والتمتع برعايتهما وله الحق فى إثبات نسبه الشرعى إليهما بكل وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية».
وهنا يقع القاضى تحت ضغط الفتوى بأن «الولد للفراش» ومسئوليته كإنسان من واجبه أن يحمى إنساناً بريئاً، لأن الحكم برفض النسب يعنى الحكم بالإعدام الإنسانى على طفل، وهو أمر لا بد أن يتم حسمه قانوناً حتى لا يقع القضاة فى هذه الحيرة. أيضاً لا بد من جعل دعاوى إثبات النسب فى أقصر وقت ممكن، فبدلاً من استمرارها فى المحاكم لسنين يمكن أن تكون ضمن الدعاوى المستعجلة أو بطلب بأمر على عريضة لرئيس المحكمة ويكون تحليل الحمض النووى إلزامياً، بهذا يكون نظر الدعوى والحكم فيها فى أقل من شهر حتى يمكن للطفل بدء حياته والتمتع بتطعيماته بعيداً عن مكايدة الكبار وممرات المحاكم وخلافات الفتوى.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع