بقلم : نهاد أبو القمصان
يُعد قانون الأحوال الشخصية من القوانين المهمة على المستويين الفردى والجماعى، بل ربما يكون الأهم، لأنه يمس كل مواطن، الجميع أصحاب مصالح متعدّدة، وأحياناً متضاربة، فالرجل مثلاً هو أب لابنه أو أخ لأخت يريد لها الأفضل فى زواجها، فيطلب أعلى مؤخر صداق، ويكتب قائمة منقولات زوجية، وهو الرجل نفسه الذى إذا أراد الزواج يتفاوض لتخفيض المؤخر ويرفض قائمة المنقولات.
ليس هذا فحسب، فالمرأة كذلك، إذا كانت أم العروس تريد تأمين ابنتها، وإن كانت أم العريس ترى أسرة عروسة ابنها «مفتريين وعايزين يدبحوا ابنها»، وفى حالة الخلاف هى الجدة لأم، التى ترفض الاستضافة، خوفاً على أبناء ابنتها من غدر زوجها أو طليقها، وهى الجدة لأب التى تبكى ليل نهار من حرمان زوجة ابنها لها من رؤية أحفادها.
هذه المواقف القانونية المختلفة والمتباينة والمتضاربة حتى لنفس الشخص تجعل النظر إلى القانون لا بد أن يكون بتريث وبعيداً عن التسييس والحشد لأسباب انتخابية، وإنما لا بد أن يتم التعامل معاه برؤية كلية وأن تلعب أجهزة الدولة دوراً أكبر، وأن يكون لقضاة محاكم الأسرة صلاحيات أوسع، وهو ما حاول تقديمه عدد من المنظمات النسائية والجهات المعنية، أهمها المركز المصرى لحقوق المرأة والاتحاد النسائى، بالتنسيق مع مجلة نص الدنيا ومركز الأهرام الاستراتيجى، حيث قدمت قانون أسرة كاملاً، يتمتع بالإنصاف لجميع الأطراف، كما اجتهدت النائبة البرلمانية عبلة الهوارى وقدّمت للبرلمان قانوناً جيداً تم دراسته فى أكثر من محفل ووضع ملاحظات عليه استجابت لها النائبة مشكورة، وضمنت بعض التعديلات، كما قدم النائب البرلمانى محمد فؤاد قانوناً عرضه على جهات عدة، وفوجئ بالعديد من التعليقات السلبية، التى أكدت له أنه قانون أحادى الجانب يتبنّى وجهة نظر معادية للمرأة، وهو أعلن مشكوراً أنه على استعداد للحوار والتغيير إن تطلب الأمر.
لكن فوجئنا بأن النائب بدأ يسعى لحشد الرأى والتأييد إن لم يكن على القانون كاملاً، فيكون على قضية واحدة هى قضية «استضافة الأب لأطفاله فى حالة الخلاف مع الأم»، وهى قضية فى ظاهرها الرحمة، وفى باطنها العذاب، فلا أحد يختلف على حق أن ينعم الأطفال بحضن أبيهم وأن يتم النأى بهم عن أن يكونوا أداة فى صراع لا ناقة لهم فيها ولا جمل، الاستضافة مطبّقة بين الأزواج الذين تفرقوا بإحسان، لكن فى حالة الخلاف وراء هذه القضية العادلة مخاطر ضخمة، حينما يتم الانفصال، لا بتسريح ولا إحسان، وإنما بعند وعنف وامتناع عن الإنفاق، هنا يكون الأطفال فى خضم المعركة وتكون قضية الاستضافة مجرد سلاح يستخدم فيه الأطفال، فمن ينازع فى نفقة أولاده، ولا يرى احتياجهم كل صباح لوجبة إفطار، وكل بداية عام لمصروفات المدرسة، بالتأكيد لن تكون قضيته الوحيدة استضافة أولاده، بل هنا يكون الأطفال أكثر عرضة للعنف والخطف ليس حباً فيهم، وإنما انتقاماً لكرامته التى أهانتها أمهم، حينما رفضت الاستمرار معه.
لذا وإن كانت قضية الاستضافة فى إطارها العريض قضية عادلة، فإن العمل عليها بمفردها دون إصلاح شامل لقانون الأسرة هو بمثابة كارثة يدفع ثمنها الأطفال الذين نتحدث عن مصلحتهم، لذا يجب عدم النظر إلى قانون الأحوال الشخصى قطاعى، كل قضية منفصلة عن السياق العام الذى تدور فيه العلاقات، حتى لا تتورط الدولة فى قضايا ثأر شخصية، بدلاً من البحث عن المصلحة الفضلى للطفل، لذا لا بد من إصلاح شامل للقانون والجهاز التنفيذى الداعم له.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع