بقلم : نهاد أبو القمصان
ما بين قضية الحاجة سعدية التى تم التدليس عليها برحلة عمرة مجانية لتوريطها فى تهريب الترامادول، وقضية إنقاذ طفل من الخطف وعودته إلى أهله، تقدم الشرطة نموذجاً للاهتمام بمصالح الناس أو ما يسمى اصطلاحاً «الأمن الجنائى»، وهو توجُّه جيد، لأن الشرطة، ولفترة طويلة، كانت متهمة بالتركيز على الأمن السياسى وإغفال مصالح الناس، وكانت النماذج الأبرز هى التعرض للسرقة فى الشارع باستخدام موتوسيكلات، أو السرقة بالإكراه، أو التحرش. كانت الشكاوى تزيد، والشكوى الأكبر هى غياب الاستجابة السريعة، وإن كان الأمر الآن أفضل، لكن رغم هذا الاقتراب من الناس فإن العلاقة مع الناس أشبه بعلاقة «زوج الأم»، دائماً موضع نقد، ففى قضية الحاجة سعدية انصبّ النقد على أنها لقيت اهتماماً لأنها شغلت الرأى العام، وقضية الطفل المختطف قضية ضمن آلاف فأين الآلاف؟!
وبالتأكيد هذا النقد الدائم قد يصيب بعض العاملين بجهاز الشرطة بالإحباط، لأن الكثير منه «مبالغات فيس بوكية»، لكن يظل من هذه المبالغات ما هو هام لمن يعنيه الأمر لأن القضايا الماسة بحياة الناس بصورة مباشرة ويومية هى القضايا الأكثر تأثيراً، فرغم أن قضايا الإرهاب هى قضايا ماسة بحياة الناس، بل الأخطر على الإطلاق، لأنها تمس السلامة الشخصية والاقتصاد، وبالتالى تمس أيضاً السلامة الشخصية فى فرص العمل وأكل العيش، لكن القضايا الأكثر إلحاحاً، والتى يراها الناس وتمسهم، هى القضايا الفردية اليومية، وبالتالى تحظى باهتمام وامتنان الناس وترفع الإحساس بأن جهاز الشرطة جهاز معنى بحياة كل فرد وأمانه الأسرى والشخصى، وهو ما يجب أن نعمل عليه، بل وندعم الشرطة من أجل تحقيق هذا الهدف.
أعرف أنه تحدٍّ أن نعمل فى ظل تهديدات إرهابية على المستوى القومى، وأن نطور العمل الأمنى حتى يشعر كل مواطن أو مواطنة بأن الشرطة مسئولة عن حمايته شخصياً وقتما يحتاج، وأن كثيراً من البلاغات قد يبدو بسيطاً، لكنها بالنسبة لأصحابها، هى قضيتهم الوحيدة.
ومن هنا فإن المواءمة بين الأشياء الكبيرة والبسيطة أمر هام جداً فى الإحساس العام بالأمان.
أيضاً هناك تطور نوعى فى ابتكار الجرائم، مثل إقناع سيدة بسيطة بأنها كسبت رحلة عمرها وهى فى الحقيقة استُخدمت أداة للتهريب فى إطار بحث المهربين عن وجوه جديدة بعيدة عن الشبهات، أيضاً اصطياد أولاد أو بنات على الإنترنت لأغراض متعددة، منها الاتجار فى الأعضاء.. كل هذا يستلزم خطة إعلامية من الشرطة لتوعية المجتمع بتطورات الجريمة وكيفية تجنب الوقوع كضحايا، خطة إعلامية بعيداً عن توجيهات «التوك شو» الأقرب لمدرسة ابتدائى، تحتاج برامج لطيفة بلغة تواصل يفهمها الناس، لاسيما أن المحتوى قانونى معقد ويحتاج قدراً كبيراً من التبسيط فى العرض والطريقة حتى يصل للناس.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع