بقلم : نهاد أبو القمصان
كل عام وأنتم بخير بحلول شهر رمضان الكريم، وهو الشهر الذى يحمل الكثير من كل شىء ويتّسع لكل شىء حتى ما يبدو متباعداً نسبياً، مما يؤكد قيمة الاختلاف والقدرة على الجمع بين العديد من الأشياء، فهو شهر الكثير من قراءة القرآن، الكثير من عمل الخير، الكثير من الطعام، الكثير من متابعة الأعمال الفنية، ولبعض الناس الكثير من النوم والبعض الآخر الكثير من العمل بلا مشتتات كطلب القهوة والشاى والطعام وغيره، فى رمضان جميل أن نعمل على شحن طاقتنا الروحية بقراءة القرآن، وإن كان ذلك لا بد أن يمتد لقراءة التاريخ الإسلامى، فالواقع وقت نزول القرآن يساعد على فهم أكثر عمقاً دون الارتكان إلى تفاسير تخضع لمدارس واتجاهات وأغراض متباينة، لذا قرّرت أن أشارككم فى هذا الشهر الفضيل سير السيدات اللاتى عشن فى عصر النبوة، لنجد أن كثيراً من الآراء والأفكار حول المرأة مختلفة كلياً عما نعتقده الآن، وكانت النساء أكثر قوة ومعرفة بحقوقها والتمتّع بها دون انتظار إذن أو منحة. من هؤلاء السيدة سمراء بنت نهيك الأسديّة، قاضية حسبة قبل 1400 سنة، لم تكن تعرف أنه بعد أربعة عشر قرناً من عصرها ستناضل المتفوقات من كلية الحقوق للعمل فى القضاء.
يقال عن «أسماء» إنها أدركت رسولَ الله صَلّى الله عليه وسلم وعُمّرت (أى عاشت فترة طويلة بعده)، وكانت تمرّ فى الأسواق، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب النّاس على ذلك بِسَوْطٍ كان معها، أى أنها كانت تشرف على البيع والشراء وتضبط جرائم الغش وتوقع العقوبة على من يثبت غشه، أى أنها جهاز عدالة متنقل بدءاً من الضبط والتحقيق وإصدار الحكم وتنفيذه أيضاً.
وقد ثبت أن هناك من الصحابيات على عهد النبى كن يحتسبن، وأقرهن على ذلك النبى، صلى الله عليه وسلم.
لقد كانت الحسبة فى عهده، صلى الله عليه وسلم، ولم تكن هناك ولاية مختصة بالحسبة، بل كانت الحسبة بشكل تطوعى لا تديره ولاية، ولا يتم عن طريق منظمة معينة، بل كانت الحسبة كباقى أعمال وخطط الحكومة النبوية، كانت تُدار بشكل فردى، وأن نظام الحسبة لا يرتبط بنشأة الدولة، بل مارسها المسلمون منذ بداية الدعوة الإسلامية.
وقد أخرج الطبرانى عن يحيى بن أبى سُليم، قال: رأيت سمراء بنت نَهيك -وكانت قد أدركت النبى صلى الله عليه وسلم- عليها درع غليظ، وخمار غليظ، بيدها سوط؛ تؤدّب الناس، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
وقال الشيخ الألبانى: «هذه وقائع صحيحة تدل دلالة قاطعة على ما كان عليه النساء من الكمال والسماحة والتربية الصحيحة حتى استطعن أن يقمن بما يجب عليهن من التعاون على الخير.
فى عصر النبوة لم تكن هناك مساحات حول ماذا تستطيع المرأة عمله وما لا تستطيع، وإنما كان النساء يعاملن كإنسان من حقها، بل واجب عليها العمل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كما يجب على الرجال، ويدل على ذلك النصوص العامة الدالة على فرضية الاحتساب بصفة عامة، كما يدل على ذلك بعض النصوص الواردة فى شأن النساء بصفة خاصة.
إذاً ما الذى تغيّر وأوصلنا إلى ما نحن فيه من تمييز وظلم، لنقرأ التاريخ لعلنا نفهم الواقع، ونستشرف المستقبل، ورمضان كريم.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع