بقلم: نهاد أبو القمصان
أتت لى طفلة فى السنة الثانية ثانوى شهادة أجنبية ومعها أختها فى الإعدادية بنفس المدرسة، قالت لى إنها لا تعرف أين تذهب هى وأختها، فمنذ أكثر من 10 سنوات انفصل والدها ووالدتها، ورفض الوالد الصرف عليهما أو دفع مصروفات المدرسة الدولية التى اختارها لهما بنفسه، وذلك عنداً فى الأم رغم قدرته المالية العالية، وأنه يعمل فى شركة سيارات كبرى.. لأكثر من 10 سنوات ونحن ندفع ثمن مشكلة ليس لنا أى علاقة بها أو ذنب، أبى لا ينفق، ترفع أمى دعوى نفقة ولا يدفع، فترفع دعوى أخرى لإلزامه بالدفع، وهى دعوى حبس وفى اللحظة الأخيرة وقبل حبسه يدفع ما فات دون المقبل، تطلب مصروفات المدرسة ولا يدفع، تستدين ممن تعرف وتدفع، وترفع دعوى مصروفات بالإيصالات ولا يدفع، وترفع دعوى حبس أخرى عن نفس دعوى المصروفات الدراسية وفى اللحظة الأخيرة يدفع، سنوات وسنوات من دوائر قاسية.. رغم أن أبى ميسور ومهتم بنفسه للغاية حتى إن زميلاتى لا يصدقون أنه أبى بل يعتقدن أنه أخى الأكبر، وهو متزوج ولديه ابنة أخرى فى مدرسة دولية، مصروفاتها أعلى من مجموع مصروفاتى أنا وأختى، ويدفع لها بانتظام دون أى مشاكل، ويرفض تماماً الدفع لنا.. بعد كل هذه السنوات وكل عام أربع قضايا على الأقل بين نفقة وامتناع ودعوى حبس للدفع، لم يعد لأمى مكان تستدين منه فطلبت منا أن نذهب لنعيش مع أبى ربما قلبه يحن علينا، ذهبنا إليه فطردنا.
بكت الطفلة بكاء قطع أنفاسها وكاد قلبها يقف، وسلمتنى أكثر من عشرين ملفاً لقضايا سابقة، وقالت لى هل تستطيعين مساعدتنا، لن نذهب للمدرسة بدون مصروفات، وأنا لا أعلم ماذا أفعل وكيف سأكمل الدراسة، وهل بهذا الوضع سأدخل الجامعة وما مصير أختى، وأمى فعلاً لم يعد لديها مكان أو شخص تستدين منه، هى تعمل وتحاول أن تنفق علينا لكنها وحدها لا يمكن أن تغطى مصروفات الدراسة.. فكرت فيما يمكن أن أفعله ولم أجد سوى رفع دعوى مصروفات قضائية بنفس الإجراءات التى ربما تمتد لسنتين.. أين ستذهب البنتان؟
بنتان متعلمتان تعليماً راقياً تتحدثان اللغات، صغيرتان، جميلتان.. صيد ثمين لأى شبكة دعارة، تدفع فيهما آلاف الدولارات.. هذا واحد من عشرات السيناريوهات البشعة التى تنتظر البنتين فى ضوء دعاوى نفقة تظل لسنوات، عدم الكشف عن الإمكانيات المالية للأب عن طريق البنك المركزى، وعدم محاسبة أماكن العمل التى تزور فى دخول الأشخاص وتدلس ولا تعطى الحقيقية.. هذا يعد تعريض أطفال لخطر، ربما أشد قسوة من الاتجار بالبشر.. الحل لإنقاذ هاتين البنتين ومن فى وضعهما هو أن تتدخل الدولة لدعم البنات والأولاد المعرضين للخطر، أن تدفع مصروفات البنتين كديون على الأب لصالح الدولة، إذا كان معسراً حقاً تقسط الديون لآجال مريحة، وإذا كان مدلساً فى دخله فليحاسب على تعريض بناته للخطر.. المصروفات الدراسية لا تنتظر والمدارس على الأبواب.. هل هذا ممكن، نعم هو ممكن ولازم وضرورى قبل أن يتم القبض على البنتين فى فندق خمس نجوم ضمن شبكة دعارة.. نحن بحاجة إلى تدخل عاجل لإنقاذ الآلاف من الأطفال الذين يضيعون فى أروقة المحكمة. نحتاج إلى تعديلات تشريعية وإجرائية عاجلة ومسئولية مجتمعية تلزم الجميع بتحمل المسئولية، والأهم أن تنقذ الدولة مستقبلها بدعم أطفالها.