بقلم: نهاد أبو القمصان
منذ وقت قريب كانت كلمة المرأة عادة ما تقترن بأعمال الرعاية، وعندما تذكر هذه الكلمة يكون الانطباع للسامع أن الموضوع حتماً له علاقة بالأعمال المنزلية، ومن اللافت أن من يكتب على محرك البحث «جوجل» بالعربى «المرأة مكانها» ويسكت، سوف يكمل له محرك البحث الكلمة بـ«مكانها البيت»، «مكانها المطبخ».
أما أن يكون مكانها البورصة والمال والأعمال فهو أمر جديد على الثقافة العربية الحالية، لكن المرأة المصرية والعربية فرضت نفسها ولمعت فى مجال المال والأعمال وأصبحت أسماء الخبيرات فى البنوك يشار إليها بالبنان وكالعملة الذهبية مرادف للثقة.
لكن رغم الجدارة والثقة يظل هذا النجاح غير مرئى نتيجة الثقافة التمييزية فى المجتمع، الأمر الذى يستلزم اتخاذ إجراءات واضحة لإتاحة الفرصة لاستثمار قدرات النساء فى مجال المال والأعمال، الأمر الذى أقدم عليه بشجاعة الدكتور محمد عمران، رئيس هيئة الرقابة المالية، بإصدار قرارين مهمين وهما القرار (123 و124) لسنة 2019 بتعديل قواعد قيد وشطب الأوراق المالية لضمان تمثيل المرأة فى مجالس إدارة الشركات المقيد لها أوراق مالية بالبورصة المصرية، وكذلك الشركات العاملة فى مجال الأنشطة المالية غير المصرفية.
وصرح الدكتور عمران بأن «ذلك يأتى فى إطار العمل على تحسين ترتيب مركز مصر فى تقرير مناخ الأعمال Doing Business. كما يأتى إصدار ذلك القرار اتساقاً مع منهج الهيئة فى تحقيق التنمية المستدامة وتمكين المرأة من التمثيل فى عضوية مجالس إدارة الشركات الخاضعة لها».
كما أن ضمان وجود تمثيل المرأة فى مجالس إدارة المؤسسات الاقتصادية يحقق الكثير من الأهداف الوطنية والدولية، ومنها تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، التى تستهدف تولى المرأة للمناصب الإدارية العليا بنسبة 30% بحلول 2030، إضافة إلى المساهمة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
والحقيقة أن هذه القرارات، وما استندت إليه هو أمر مبشر لأنه يعكس عدة أمور:
أولاً: أن خطة مصر 2030 ليست خطة على ورق للاستهلاك المحلى فى المؤتمرات، وإنما كتالوج يلتزم به المسئولون وصناع القرار، وهو أمر لم نعهده من قبل فى خطط الدولة التى كانت لا تتخطى حدود الورق الذى كتبت فيه.
ثانياً: توافر الإرادة السياسية لتمكين المرأة، والتى بدأت تظهر من خلال القرارات التى يتم اتخاذها فى مجالات عدة.
ثالثاً: التعلم من التجارب الدولية التى أكدت أن وجود المرأة فى مجالس إدارة الشركات أظهرت أداءً أفضل للشركات، وهو الأمر الذى ظهر بوضوح فى الأزمة المالية العالمية، التى انهارت فيها كبرى الشركات المالية فى العالم، وخرجت من هذا الزلزال المالى بأقل خسائر ممكنة الشركات التى كان بها تمثيل جيد للمرأة فى مجالس إداراتها.
ومنذ الزلزال المالى العالمى، بدأ الكثير من المؤسسات البحثية الاقتصادية دراسة فرضية أن وجود النساء فى مجالس الإدارة يؤمّن استقرار الشركات ونموها، وبالتأكيد مصر من الدول التى عنيت بدراسة الأمر، حيث تعاونت مع المؤسسات الدولية لرصد أثر تمثيل المرأة فى مجالس الإدارة على ما يقرب من 2139 شركة مصرية تمثل مجموعتين من الشركات الخاصة والشركات العامة المدرجة فى البورصة المصرية.
وأظهرت الدراسة أن الشركات التى تضم نساءً فى مجالس إداراتها حققت معدلات نمو أكبر بنسبة 2% فى العائد على حقوق المساهمين، و4% فى العائد على الأصول، و5% فى العائد على المبيعات، بالإضافة إلى أن الشركات التى تراعى التنوع بين الرجل والمرأة فى مجالس الإدارة تفضّل التمويل عبر الأسهم، واعتماداً أقل على الديون، وهو الأمر الذى يترتب على إصدار هذا القرار المهم، والذى أتمنى أن يكون بداية لقرارات عدة فى مجال الاقتصاد عموماً.