بقلم : نهاد أبو القمصان
سجل فيلم «حرب كرموز» إقبالاً كبيراً من الجمهور المصرى المتعطش لفيلم مختلف، والحقيقة أن الفيلم قدم أسلوباً جديداً على المستوى الفنى فى موضوع الأكشن، وبدا منذ اللحظة الأولى الإنتاج السخى فى بناء ديكورات للفترة الزمنية للفيلم والإنفاق على المجاميع والمعدات والاستعانة بخبرات أجنبية فى حَبْك المعارك، كل هذا أمر محل تقدير لصناع الفيلم، لذا أجده فيلماً ترفيهياً لطيفاً للمراهقين والشباب الأصغر سناً، فى هذه الحدود يكون الفيلم نجح فى هدفه وفى حصد العيديات وتصدر شباك التذاكر.
أما من حيث رؤية الفيلم وهدفه فقد حمل العديد من الرسائل المتناثرة ودرجة كبيرة من التسامح، حتى مع اللص والعاهرة، واعتبر أن قضية الوطن هى قضية جوهرية يلتف حولها الناس وتتساوى النوايا والجهود ما بين ضابط مقاتل أو حتى نشال وعاهرة، وأن بداخل كل إنسان مهما تدنت أعماله جانباً إنسانياً لا بد أن يُحترم ويُقدر، وهو أمر يُحمد أيضاً لهذا الفيلم، أما قضية خلق بطل شعبى يلتف حوله الناس فأعتقد أنها موضع نقاش، ففى تقديرى غابت الرؤية الهدف من الفيلم تحت الاندماج فى ضبط المعارك، فالبطل الشعبى هو البطل الذى يعمل من أجل قضية تهم الناس ويدعم المظلومين وينصر من أجلهم أو حتى يموت فيحرك موته الجماهير لتكمل المسيرة وتنتصر بإلهامه.
لذا، لخلق بطل شعبى لا بد أن يكون لدينا عدة عناصر، قضية أو مظلمة، بطل، معركة، انتصار سواء بحياة البطل أو بوفاته التى تلهب الجماهير، إذا نظرنا للفيلم، فمن حيث القضية فقد بدأ بقضية تقليدية الرمزية فيها مستهلكة وهى اغتصاب مصر من الاحتلال الإنجليزى فى صورة اغتصاب فتاة، تحرك على صوت استغاثتها عدد من الشباب لتدور معركة يسقط فيها شاب مصرى وضابط إنجليزى.
هنا ظهر البطل «أمير كرارة»، وهو ضابط قسم كرموز الذى يحبه الناس ويلتفون حوله والذى تحرك للقبض على الضابط الإنجليزى المتورط فى اغتصاب الشابة المصرية واحتجازه، ما أثار غضب قائد المعسكر وأمر بالإفراج عن الضابط، لذا رفض البطل المصرى وأصر على محاكمته، وهو ما يعد عدم تنفيذ أوامر عسكرية لأن القائد الإنجليزى طبقاً لرؤية الفيلم هو الحاكم للإسكندرية، وبناءً على ذلك تحرك المعسكر الإنجليزى بكامل عدته وعتاده لمحاصرة القسم والمطالبة بتسليم الضابط الإنجليزى المحتجز وأيضا الضابط المصرى لمحاكمته بتهمة عدم تنفيذ أوامر عسكرية التى تصل عقوبتها للإعدام.
هنا انتفض القسم بكل من فيه وقرروا التضحية بأرواحهم من أجل «....»؟
من أجل الدفاع عن قسم الشرطة، الضابط المصرى، الفتاة المغتصبة، الشباب الشهم الذى دافع عن الفتاة المغتصبة؟
لا أعرف، ظهرت بطولات صغيرة رائعة من المصريين جميعاً سواء الجنود أو حتى المتهمين داخل القسم بمن فيهم عاهرة ونشال للدفاع عن شىء ما أو كل هذه الأشياء.
طلب الضابط المدد من ضابط آخر فأعطاه درساً فى طاعة الأوامر العسكرية حتى لو من القائد الإنجليزى، ورغم ذلك حينما احتدمت المعارك دخل الضابط الملتزم بالأوامر صفوف الضابط البطل الشعبى، إلى هذا الحد ربما كانت نهاية رائعة، لكن أنهى الفيلم بعقد محاكمة عسكرية حكم فيها على الضابط البطل بالإعدام رمياً بالرصاص لمخالفة الأوامر العسكرية، ولأهمية المشهد عمل صناع الفيلم على إبرازه بظهور «أحمد السقا» كرئيس للمحاكمة، وهو ضابط مصرى، وعلى طريقة «مصر ماتنساش ولادها» أنقذه سراً بإعطائه اسماً مغايراً وطلب منه الرحيل مع أسرته، أى إن البطل الشعبى فقد اسمه ومنصبه وبيته ونُفى هو وأسرته، وهى نهاية متناقضة تماماً مع هدف الفيلم حيث تعد هزيمة نكراء وانتقاماً شاملاً للبطل الشعبى.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع