بقلم : نهاد أبو القمصان
دعيت إلى لقاء نظمته مجموعة من «قصار القامة» وقد كنت مع عدد محدود للغاية من الأشخاص العاديين، لذا شعرت بمشاعر متضاربة أولها السعادة لأنى كنت ضمن عدد قليل اختارهم قصار القامة، واعتبروهم موضع ثقة، والحيرة والاضطراب لأنى اختبرت مشاعر أن أكون مختلفة فى الطول عن الجميع، مشاعر مربكة لكنهم فى الحقيقة كانوا أكثر ذكاء واحتواء فلم يمارسوا التمييز ضدى لأنى مختلفة عنهم، تقدمت سيدة تتحدث معى وعندها أسقط فى يدى لأنى لم أعرف أصول التعامل فى هذا الموقف، هل أنحنى بظهرى أم أنزل قليلاً بركبى حتى تتلاقى عيوننا فى الحديث، استشعرت السيدة الذكية إحساسى بالحرج، قالت لى: «انتى محتارة كيف تتعاملين فى موقف واحد فهل تتخيلين كم الحيرة التى أعيشها كل يوم وأنا أمارس تفاصيل الحياة، أن أطبخ لأولادى ولا يوجد بوتاجاز قصير، أن أرتب ملابس ولا يوجد دولاب مناسب، ما بالك بالشوارع والأرصفة التى يصل ارتفاعها فى بعض الأماكن إلى نصف طولى، والمعضلات الكبرى كأن أجد لأولادى وبناتى مكاناً فى مدرسة»، كانت هذه الأسئلة التى طرحتها بابتسامة وبود شديد لكنها من الذكاء لتكشف فى لحظة كم التمييز الذى نمارسه فى المجتمع عن قصد أو بدون قصد، تمييز ضد كل ما هو مختلف، المختلف فى الطول أو القدرة على الحركة أو الإبصار وغيره من أنواع كثيرة من التمييز ضد المختلف، تمييز نمارسه نتيجة غفلة عن حق كل ما هو مختلف أن يحيا حياة جيدة، وأن يحسب له حساب من أول تخطيط شوارعنا إلى تنظيم مدارسنا إلى فرص العمل المتاحة، قضية الإعاقة ليست قضية مجموعة تحتاج الشفقة، أو القول «الحمد لله الذى عافانا»، فالإعاقة ليست ابتلاء وإنما اختلاف يستحق منا أن نحسب حسابه ونستثمره، لأن المختلف فى أمر ما متميز فى أمر آخر، وقد يكون أكثر تفوقاً فى مجالات عدة، لكن للأسف يعانى الكثير من قلة فرص الالتحاق بالتعليم، وتزيد النسب بين الفتيات، فتشير بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء إلى أنه بالرغم من أن عام 2017 شهد ارتفاعاً فى الالتحاق بالتعليم بالنسبة للفتيات المكفوفات وذوى الإعاقة الذهنية عن عام 2016، إلا أن كل أنواع الإعاقة شهدت تفوق التحاق البنين فى التعليم عن الفتيات، سواء فى عام 2017 أو عام 2016، ليس هذا فحسب وإنما تعانى الفتاة والمرأة معاناة مضاعفة بدءاً من النظرة النمطية للمعاقين عامة وللمرأة ذات الإعاقة خاصة، من أنها شخص غير كامل الأهلية وغير قادر على تحمل المسئولية، وليس من حقها الزواج والإنجاب، ولا أستطيع أن أنكر أن مصر خطت خطوات مهمة فى هذا الملف، تمتعنا بقطف ثمارها فى مجالات عدة أبرزها المجال الرياضى والتفوق فى «البارلومبيات»، فقد رفع علم مصر كثيراً بما لا يقارن بحصاد الأولمبيات، ولكن ما يتمتع بهذه الفرض أعداد محدودة للغاية، وراءهم أسر داعمة وهو فى حد ذاته تمييز طبقى، لذا من المهم أن يكون ملف الإعاقة موضع اهتمام، ليتمتع الجميع بحقوقهم وأن نستثمر ما بيننا من اختلاف وليس إعاقة.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع