بقلم : نهاد أبو القمصان
انتشر فيديو لشاب تقدم نحو فتاة، طالباً منها أن يقدم لها قهوة، وإذا بالمواقع تشتعل ما بين إدانة الشاب، والدفاع عنه، أو الهجوم على الشابة وإدانتها، والبعض رآها مؤامرة سياسية لإلهاء الشعب عن قضايا أهم، لكن فى الحقيقة مثل هذه الوقائع هى محرك مهم للنقاش فى قضايا مسكوت عنها، وإذا أخذنا النقاش بجدية ربما ساعدنا على الحد من مشكلات كبيرة، بل وجرائم تتعرّض لها الفتيات كل يوم وفى كل مكان، والسؤال هنا: هل الدعوة إلى القهوة تحرش؟ وهل تصوير الشخص ونشر الصورة هو الحل، أم أنه حل العاجز عن إيجاد أى دعم، وغياب الحماية من جانب الجهات المعنية؟
نعم الدعوة إلى القهوة دون سابق معرفة، ودون رضا، جريمة تحرش، فتعريف التحرش «جميع الأفعال غير المرغوب فيها أو ذات الطابع الجنسى، التى تسىء إلى المتلقى، وتسببت فى شعوره بالأسى أو الإهانة أو التهديد»، هنا نحن أمام واقعة شابة تقف بمفردها، فإذا بشاب يقترب منها، منتهكاً ما يُعرف بالمجال الخاص بها ويعرض عليها مصاحبته للقهوة، وذلك دون سابق معرفة، ماذا ستشعر، أنها عاهرة يريد التفاوض معها، وهو الشعور بالإهانة، أو تاجر أعضاء بشرية يريد خطفها، وهذا هو التهديد.
ومن السذاجة القول إن الدعوة إلى القهوة بهذه الملابسات مقبولة فى الغرب، فهذا الفعل غير مقبول، لا فى مصر ولا فى أوروبا وأمريكا، ولو تم هذا فى الغرب وأعلنت الفتاة الرفض بوضوح وطلبت تدخّل الشرطة لتم القبض على هذا الشاب وإحالته للمحاكمة.
لكن هل من حق الشابة تصوير الشاب وطرح صورته كمتحرش؟
ربما من حقها تصويره لتقدّمها للشرطة كأحد إثباتات قيامه بالتحرش عندما تقدم بلاغاً، لكن ليس من حقها وضع الصورة على «الفيس بوك» تحت عنوان المتحرش، أو حتى مع شرح الحكاية، فطبقاً للدستور والقانون «المتهم برىء حتى تثبت إدانته»، أما أن تتحول هى إلى سلطة اتهام وإطلاق حكم، فهو أمر خطير، ويحول الفيس بوك إلى أداة انتقام، مثل وضع شخص صورة لسيدة واتهامه إياها بالنصب، أو رجل واتهامه بالسرقة.
يمكن بعد صدور حكم إدانة تستطيع نشر القصة، لكن يظل استخدام الصورة أو الفيديو موضع خلاف، فهو بمثابة عقوبة إضافية تتمثل فى التشهير، وعقاب يمتد إلى المذنب وعائلته.
لكن لماذا أصبح الفتيات لا يرين حلاً للحد من التحرش سوى استخدام وسيلة «الفيس بوك»، ونشر الوقائع والصور؟
لأن نسب التحرش فى مصر أصبحت مقلقة وتهدّد السلامة والأمان الشخصية للفتيات والسيدات، بل للأسر جميعاً، وما زالت القضية لا تحظى بالاهتمام أو الأولوية لدى المعنيين، فمحضر الشرطة إجراءاته معقّدة وطويلة، والإحالة إلى النيابة والمحاكمة غير مضمونة، وفى حالة بلاغ النيابة غالباً ما يتم حفظ المحضر، لعدم وجود شهود، ولا توجد إجراءات جادة لمواجهة الجريمة، مثل كاميرات فى الشوارع وإجراءات أسهل فى الإبلاع وعدالة أسرع.
لذا فى غياب منظومة حماية، لا تجد الفتيات سوى استخدام الأدوات الذاتية لكشف الجريمة، أى أنها حيلة العاجز عن إيجاد المساندة، وهنا يظهر السؤال الأهم: أين الشرطة والعدالة؟ وكيف يشعر النساء بالأمان؟
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع