نهاد ابو القمصان
طالب الرئيس المرأة المصرية بأن تقف جنب مصر، وفى الحقيقة أثبتت المرأة قدرة على مواجهة التحديات. ومنذ قيام الثورة كانت المرأة المصرية المتضرر الأكبر، إلا أنها كانت المتفهم الأكبر، رغم أنها تعانى من مشكلات عدة، وفى مقدمتها التمييز الذى يبدأ منذ الصغر بين البنين والبنات، والحط من شأن البنت منذ الميلاد دون أى ذنب أو سند سوى أن الله خلقها أنثى، وكأنه اعتراض على خلق الله الذى إن أراد التفضيل لكان خلق البشر من جنس واحد. وقد كان النظام التعليمى قبل مبارك هو البوتقة التى ينصهر فيها الطلبة، يعلى من قيمة الإنسان من خلال التفاعل والأنشطة المشتركة بين الطلبة والطالبات لتتراجع معه أفكار الذكورة والأنوثة والتفضيل على أساس الجنس وتتقدم قيم الإنسانية، ويكون التفضيل على أساس العلم والتفوق والإتقان فى العمل. وبذلك كانت المدارس والجامعات هى قاطرة التنوير والتقدم فى المجتمع، ولكن مع انهيار التعليم فى عصر مبارك أصبح المجتمع هو الذى يؤثر على المدارس والجامعات وليس العكس، وأصبحت المدرسة تكرس التمييز بين البنات والبنين، كما أصبح يعانى أطفالنا فى المؤسسة التعليمية من نمط تنشئة اجتماعية لا تقوم على ثقافة الحوار والقيم والديمقراطية وما تعكسه هذه الثقافة من سلوكيات وممارسات فردية وجماعية ترتبط بقبول الحوار والاختلاف وحق النقد والإحساس بالمسئولية الاجتماعية وحرية التعبير عن الرأى. هذا النمط فى التنشئة القائم على قيم الاستبداد تتأثر به البنت ثم المرأة فى نوعية الصور النمطية فى المقررات التعليمية التى يتم تعميمها عن المرأة ودورها الاجتماعى الذى يتناقض بدرجات مع قيم المساواة والمشاركة فى الحياة العامة، حيث تركز على دورها فى الحياة كأم وزوجة فقط وحصر أدوارها فى الأعمال المنزلية أو الدور الإنجابى ورعاية الأبناء وتربيتهم، وإهدار قدراتها البشرية على العمل والمشاركة والإبداع.
هذه الممارسات وغيرها تُعد تحديات حقيقية لثقافة وقيم المشاركة، وترسخ فى تنشئة الطلبة والطالبات عدم وجود دور للمرأة خارج المنزل أو فى الحياة العامة، الأمر الذى يستلزم ضرورة تغيير هذه السياسات والاشتباك معها ووضع سياسات ورؤى بديلة والضغط من أجل تطبيقها، أيضاً التعاون مع منظمات المجتمع المدنى للمساعدة وتقييم الجهود سواء لرفع كفاءة العملية التعليمية، أو الحد من الأمية بين السيدات، التى بلغت ثلثى الأمية فى المجتمع.
والمساعدة فى حل المشكلات تكون عبر المشروعات المتعددة التى تقوم بها المنظمات الأهلية، وبناء آلية حقيقية للشراكة والحوار مع وزارة التربية والتعليم حول السياسات التعليمية المطبقة وما يرتبط بها من قضايا أساسية، ومشاركة مؤسسات المجتمع بشكل حقيقى فى عملية صناعة المناهج التعليمية وكيفية إعداد وتأهيل المعلم، ودعم دور منظمات المجتمع المدنى فى تقييم العملية التعليمية (النتائج والمحتوى) وتأكيد حقها فى التدخل لتحسين أوضاعها على مستوى المدرسة، وتوفير الخدمات التعليمة للمحافظات والأحياء والقرى بصورة عادلة حتى لا تُحرم البنات من التعليم لبعد المسافة الجغرافية بين البيت والمدرسة أو الجامعة.