نهاد أبو القمصان
منذ عدة شهور، جاءت لمقابلتى شابة تشكو ضابط كمين فى طريق العين السخنة أوقفها ومعه اثنان من أمناء الشرطة، عند عودتها من العمل، طلب الرخصة والنزول من السيارة لتفتيشها، وعندما سألته لماذا؟ قال لها: «مش شغلك، ولّا انتى عاملة عملة ولّا شايلة مخدرات وخايفة»، بعد جدال حول حقها وحقه، نزلت من السيارة، وقام الأمناء بتفتيش السيارة وحقيبتها الشخصية تفتيشاً دقيقاً يدعو إلى العجب، بعدها طلب تليفونها، لكنها اعترضت، وأصرت، فإذا به يصيح فى وجهها، ويقول كلاماً من عينة: «أنا أقدر أوديكى فى داهية وأعملك قضية مخدرات».
تدخل الأمناء مساندة له، وأصرت الشابة على موقفها بأنه ليس من حقه، لكنه خطف التليفون وعبث به، وظل الموقف معلقاً بسخف لأكثر من ساعة، حاول الأمناء أخذها جانباً، لكنها رفضت، لأنها ارتابت فيهم جميعاً، الطريق خالٍ وسيارات قليلة تمر، والموقف غير مريح، عندما طال الموقف جاء من بعيد ضابط جيش يبدو أنه من الوحدات الداعمة للشرطة وأخذ الضابط جانباً، بعدها أعاد لها الرخصة والتليفون وتركها تمشى دون أى تعليق.
طلبت من الشابة بعض المعلومات، منها عنوان الكمين «عند أى كيلو»، لكنها لم تتذكر، طلبت منها أن تركز فى طريقها وتتصل بى لاحقاً لاستكمال المعلومات لتقديم شكوى لوزارة الداخلية، لكن يبدو أنها آثرت السلامة واختارت طريقاً آخر للمرور، لكن عندما قرأت تفاصيل بلاغ اغتصاب ضابط لسيدة فى طريق العين السخنة، تذكرت هذه الواقعة التى تتطابق مع ملابسات بلاغ الاغتصاب، ويبدو أنه نفس الضابط الذى ذكرته الشابة، أما كلامها وهيئتها التى تعكس أنها ليست صيداً سهلاً، أو لتدخل ضابط الجيش، لكن ربما لم تكن السيدة صاحبة البلاغ الأولى، لكن هى من وجدت من يساعدها على البلاغ.
فى الحقيقة فإن الاغتصاب من أبشع الجرائم، لكن أن يكون المغتصب هو المنوط به الحماية، فالاغتصاب هنا لم يطَل السيدة فقط، وإنما طال شرف «الداخلية» كلها، الضحايا فى هذا الجريمة كثر، منهم الضابط «محمد» الذى استشهد وهو ينقذ سيدة من الاغتصاب على كوبرى المنيب، أيضاً كل ضابط من أبنائنا فى الشرطة دفع حياته لحماية هذا الوطن، كل ضابط شرطة يمشى على الأرض عندما نراه يخطف قلوبنا، لأننا نعرف أنه مستهدف من الإرهابيين، أو بالأحرى شهيد حى يمشى على الأرض.
هذه الجريمة كفيلة بأن تلحق العار بالضباط، رغم ما يقدمونه من تضحيات، فعلى «الداخلية» عدم الاكتفاء بالتحقيقات والمسار القانونى، وإنما هناك ضرورة لاتخاذ إجراءات كثيرة تحول دون انحراف بعض الضباط وتؤمن حقوق الناس فى مواجهة سلطة مسلحة، من هذه الإجراءات، وليس كلها، ضرورة عمل خط ساخن للشكاوى، وأن تتابع هذه الشكاوى لجنة على أعلى مستوى، تأخذ كل شكوى بالجدية اللازمة، لا سيما تواتر الشكاوى إذا كانت تجاه أشخاص محددة، أيضاً ضرورة أن يكون هناك اختبارات نفسية دورية لكشف ملاءمة الضباط للتعامل مع الناس فى ضوء ما يتعرضون له من ضغوط، التدريب الدورى على قانون الإجراءات الجنائية ومواثيق حقوق الإنسان، ليعرف كل ضابط أن السلاح الذى يحمله لا يغنى عن القانون فى عقله، وأن حماية الناس وليس إرهابهم أو اغتصابهم حماية له فى المقام الأول، لقد كسبت «الداخلية» احترام الناس عندما انضمت لهم، بعد أن كانت العلاقة ثأرية فى أيام، لا أعادها الله.
"الوطن"