نهاد أبوالقمصان
لا يفرق القانون الجنائى بين العنف فى المحيط الخاص أو العنف فى المحيط العام، وإنما يجرم العنف بصرف النظر عن شخص المرتكب أو مكان الجريمة، ومن ثم يُطبق على العنف المنزلى القواعد العامة الواردة فى مواد قانون العقوبات، مثال القواعد الخاصة بالضرب المادة 242 عقوبات منه، والتى قررت «إذا لم يبلغ الضرب أو الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها فى المادتين السابقتين، يعاقب فاعله بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تتجاوز مائتى جنيه مصرى».
المنظومة القانونية كاملة ضد العنف بصورة مجردة سواء ضد الرجال أو النساء، المشكلة تكمن فى التطبيق، حيث يوجد كثير من أحكام محكمة النقض تؤسس لقاعدة «الأسرة تعلو على القانون»، الأمر الذى قد يحمل محاولات لحماية الأسرة لكن بمفهوم قديم، فحماية الأسرة يجب أن ترتكز على الاحترام المتبادل بين أعضاء الأسرة وليس على حساب فرد من الأسرة، مما ساهم فى انتشار ظاهرة العنف المنزلى دون رادع حيث وصلت إلى 47.4 أى ما يقرب من نصف النساء.
غالباً ما يستخدم مفهوم التأديب «وهو مفهوم منقول عن تفسيرات متحيزة وغير دقيقة للشريعة الإسلامية» فى تبرير العنف ضد النساء، لا سيما عنف الأزواج ضد الزوجات فى جرائم الضرب، والأب فى جرائم القتل بادعاء الحفاظ على الشرف.
ومن ثم فعلى الرغم من أن العنف المنزلى جريمة، فإن فى كثير من الأحوال، رغم ثبوت واقعة العنف، أغلب الأحكام المتعلقة بالعنف المنزلى لا تتناسب مع مقدار الضرر الواقع على المرأة، فمن العجيب أن الاعتداء بالعنف على المرأة من شخص غريب أفضل من الاعتداء فى محيط الأسرة التى من المفترض أن تكون منبع الحماية وليس الاعتداء، وهذا الأمر يتم نظراً للاستناد إلى نص المادة 60 من قانون العقوبات والتى جاء بها «لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة». كما نصت المادة السابعة من ذات القانون على أنه «لا تحل أحكام هذا القانون فى أى حال من الأحوال بالحقوق الشخصية فى الشريعة الغرّاء».
وقد استقرت أحكام النقض على أن حق التأديب سبب من أسباب الإباحة، نورد منها على سبيل المثال الحكم (11/11/1981 أحكام النقض س 32 ق149 ص867):
«من المقرر أن التأديب وإن كان حقاً للزوج من مقتضاه إباحة الإيذاء، إلا أنه لا يجوز أن يتعدى الإيذاء الخفيف، إذا تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث أى أذى بجسم زوجته، كان معاقباً عليه قانوناً، حتى ولو كان الأثر الذى حدث بجسم الزوجة لم يزد عن سحجات بسيطة.
وبناء عليه فإن أغلب جرائم العنف المنزلى لا تتم المعاقبة عليها، أو يتم إصدار الأحكام بعقوبات مخففة.
إن العقوبات المخففة تشكل عقبة أمام الحد من العنف ضد المرأة، وتحتاج إلى قانون محدد يرفع من على القضاة عبء استخدام أحكام قضائية قديمة كمرجع، ويسهم فى الحد من مشكلة أصبحت سبباً فى تفجير الكثير من الأسر وزيادة نسب الطلاق وأطفال الشوارع، حيث لم يعد المنزل فى أحيان كثيرة واحة أمان للمرأة وأطفالها، وإنما جحيم يستحق التدخل وتوفير الحماية أسوة بأحكام الاغتصاب التى أكدت أن العلاقات الأسرية سبب من أسباب تشديد العقوبة على الجانى، فلا يقبل أن يكون المنزل شيئاً آخر غير واحة الأمان.