توقيت القاهرة المحلي 08:03:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البحرين وتونس مجتمعان مقاومان

  مصر اليوم -

البحرين وتونس مجتمعان مقاومان

خيرالله خيرالله

كانت الانتخابات في البحرين وتونس مناسبة كي يتأكد أن البلدين في طريق التعافي، على الرغم من كل المخاطر المحيقة بالتجربتين.

ما يزيد على خمسين في المئة من الناخبين شاركوا في الانتخابات التشريعية والمحلية في البحرين، وفي الانتخابات الرئاسية في تونس. تشير النسبة في كلّ من البلدين إلى شفافية العملية الانتخابية فيهما، وإلى نوع من النضج لدى أبناء الشعبين الذين شاؤوا الوقـوف في وجه كـلّ أنواع التخلّف والتزمت.

في الحالتين، هناك مجتمعان يقاومان. يقاوم البحرينيون المحاولة الإيرانية المكشوفة التي تستهدف تحويل بلدهم إلى مجرّد ورقة في المساومات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الملف النووي الإيراني. لم يعد سرّا أن البحرينيين رفضوا الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات. استجابوا، في حدود مقبولة بالمعايير الدولية، للرغبة في تطوير بلدهم بهدوء بعيدا عن الخضّات والدعوات ذات الطابع المذهبي التي لا تستهدف سوى إثارة الغرائز في وقت تبدو الحاجة إلى الابتعاد عن هذا النوع من الممارسات. مثل هذا النوع من الممارسات لا يصبّ سوى في إيصال البحرين إلى طريق مسدود. هذا هدف إيراني بحدّ ذاته.

ما البديل عن الإصلاحات الجدّية في البحرين التي باشرها الملك حمد بن عيسى آل خليفة؟ هذا هو السؤال الذي يفترض في البحرينيين طرحه على أنفسهم. يبدو أنّهم طرحوا مثل هذا السؤال. وكان الجواب إقبال ما يزيد على نصف الناخبين على صناديق الاقتراع. النسبة أكثر من معقولة ومقبولة، متى أجرينا مقارنة بين انتخابات البحرين من جهة، والانتخابات التي تجري في الديمقراطيات العريقة أكان ذلك في البلدان الأوروبية أو في الولايات المتحدة.

الانتخابات في البحرين دليل على استيعاب المواطنين خطورة ما تواجهه المملكة. هناك من يحاول إيجاد شرخ بين الشيعة والسنّة في المملكة. هناك من يرفض ذلك ويصرّ على الدفاع عن هوية البحرين، بعيدا، كلّ البعد، عن أي نوع من الطائفية والمذهبية. يعي المدافعون عن هوية البحرين، عبر المشاركة في الانتخابات ورفض الدعوات إلى المقاطعة، قيمة بلدهم ووجهه الحضاري ودوره الطليعي في كلّ الميادين على مستوى شبه الجزيرة العربية.

استطاعت البحرين التحول إلى دولة مزدهرة نسبيا، على الرغم من أن النفط نضب فيها باكرا. والبحرين دولة رائدة في مجال التعليم والصحّة وكل ما له علاقة بالحضارة والانفتاح على العالم، خصوصا في مجال دور المرأة في المجتمع. وهذا قاسم مشترك بين المملكة وتونس، حيث لعبت المرأة دورا حاسما في مواجهة الإخوان المسلمين، وما سعوا إلى فرضه من قيود على المجتمع.

لاشكّ أنّ هناك ثغرات في التجربة البحرينية، بما في ذلك عدم القدرة على تقديم الإنجازات التي تحقّقت بما يليق بهذه الإنجازات. هناك تقصير في مجالات عدّة، وتجاذبات سياسية لا معنى لها في أحيان كثيرة. ولكن بشكل عام، من الواضح أنّ البحرين تجاوزت محنتها، وأنّها لن تقبل أن تكون مستعمرة أو محافظة إيرانية يسودها البؤس.

على العكس من ذلك، هناك رغبة واضحة لدى البحرينيين في التمسّك بما تحقّق في المملكة من تطوّر، خصوصا منذ بدأت عملية الإصلاح التي تنمّ عن نيّة في حماية البلد وتأكيد دوره في المنطقة، خصوصا في مجال الخدمات. فالبحرين مركز مالي مهمّ في المنطقة يوفّر فرص عمل كثيرة لأبناء البلد بغض النظر عمّا إذا كانوا من السنّة أو الشيعة. لا تخجل البحرين بأي مواطن فيها. لم تتردد في تعيين المسيحيين واليهود في مواقع مهمّة رافضة التعاطي معهم كمواطنين من الدرجة الثانية…

في تونس، يقاوم التونسيون، على طريقتهم، كلّ المحاولات الهادفة إلى خطف “ثورة الياسمين” وتوظيفها في مصلحة الفكر المتخلّف للإخوان المسلمين. هؤلاء يدّعون الآن الدفاع عن الديمقراطية وأنّهم يقدمون تضحيات للمحافظة عليها. إنهم، في الواقع، يخشون تكرار التجربة المصرية في تونس. لذلك تراجعت “حركة النهضة” تكتيكيا ومؤقتا، تفاديا لثورة شعبية تشبه تلك التي شهدتها مصر في الثلاثين من يونيو 2013.

في الانتخابات الرئاسية، أثبت التونسيون أنّهم مصرّون على رفض الإخوان على الرغم من الشعارات البرّاقة التي يطرحها زعيمهم راشد الغنوشي. يشير حلول الباجي قائد السبسي في المرتبة الأولى إلى أن الإرث الحضاري للحبيب بورقيبة مازال حيّا يرزق. صار الباجي، على الرغم من تقدّمه في السنّ، رمزا لرفض المجتمع التونسي الرضوخ. لكنّ الأهمّ من ذلك، أن التونسيين، بأغلبيتهم، كشفوا حقيقة المنصف المرزوقي مرشّح “النهضة”، الذي ليس في النهاية سوى غطاء ليبرالي للإخوان المسلمين.

هؤلاء يريدون رئيسا يمرّرون عبره ما يستطيعون تمريره، ويستخدمونه شمّاعة يعلّقون عليها أخطاءهم، في انتظار الانتخابات المحلية والبلدية في النصف الأوّل من السنة المقبلة. تأمل “النهضة” في أن تؤدي الانتخابات المقبلة إلى سيطرتها على المجالس المحلية. تمتلك المجالس المحلية صلاحيات كبيرة يمكن استخدامها في عملية تغيير طبيعة المجتمع التونسي في بعض المناطق.

بكلام أوضح، تخطط “النهضة” لاختراق المناطق التونسية الواحدة تلو الأخرى، وفرض أسلوب حياة مختلف فيها بعد فشلها في الاحتفاظ بموقع رئيس الوزراء. كشفت الحكومتان اللتان كان على رأس كلّ منهما عضو قيادي في “النهضة” أنّ الحركة لا تمتلك أيّ مشروع سياسي أو اقتصادي أو تنموي للبلد، باستثناء العمل على زج عناصرها في مؤسسات الدولة الواحدة تلو أخرى. مثل هذا المخطط، الذي يخلق بطالة مقنّعة في تونس، بما يساعد في ضرب الاقتصاد، يصبّ في تحقيق هدف الاستحواذ على السلطة بطريقة ناعمة. لهذا السبب وليس لغيره، دعمت “النهضة” المرزوقي سرّا، وستبذل كلّ جهدها لإيصاله إلى الرئاسة في الدورة الانتخابية الثانية…

كانت الانتخابات في البحرين وتونس مناسبة كي يتأكّد أنّ البلدين في طريق التعافي، على الرغم من كلّ المخاطر المحيقة بالتجربتين. في البحرين، كشف البحرينيون أنّهم متمسّكون بالإصلاحات من جهة، ويرفضون الخضوع للابتزاز الإيراني من جهة أخرى. ردّوا على الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات بالمشاركة فيها. نسبة المشاركة المعقولة، إلى حدّ كبير، تعبير عن رفض قسم كبير من المجتمع أي نوع من التمييز بين مواطن شيعي وآخر سنّي، وعن اقتناع بالإصلاحات والحوار الوطني. يفترض في الحوار أن يستمرّ في المستقبل بغض النظر عن الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات. وهذا ما تبدو الحكومة متمسّكة به من أجل تحسين الأجواء السياسية في البلد وإزالة أيّ احتقان يوجد من يعمل على الاستثمار فيه.

في تونس، على الرغم من كلّ المظاهر الخارجية ووجود دستور عصري، لا يزال هناك خطر على العملية الديمقراطية. لم تكن انتخابات الرئاسة سوى دليل آخر على أن الشعب التونسي يرفض الاستسلام أمام المصمّمين على نشر البؤس في البلد. وفي ذلك ما يجمع بين التجربتين التونسية والبحرينية… بين نظامين ملكي وآخر جمهوري!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحرين وتونس مجتمعان مقاومان البحرين وتونس مجتمعان مقاومان



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon