توقيت القاهرة المحلي 19:17:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حصان بوتين في سوريا... ليس حصانا

  مصر اليوم -

حصان بوتين في سوريا ليس حصانا

خيرالله خيرالله

لا يمكن للسياسة الروسية في سوريا أن تنجح، على الرغم من الدعم الإيراني والإسرائيلي، والتواطؤ التركي. لا يمكن لهذه السياسة النجاح في ظل الضعف الذي يعاني منه الاقتصاد الروسي.

ليس معروفا بعد هل في الإمكان إنقاذ ما بقي من سوريا. الثابت الوحيد، إلى جانب أن البلد صار تحت وصايات عدّة، أنّه لم يعد في الإمكان إنقاذ النظام العلوي الذي لجأ أخيرا إلى تسليم قسم من الساحل السوري إلى الجيش الروسي. هل تلك هي الورقة الأخيرة للنظام الذي يقف على رأسه بشّار الأسد؟
يذكّر الوجود العسكري لروسيا في اللاذقية وطرطوس ومحيطهما بالوجود السوفييتي في مصر الذي زاد بعد هزيمة حرب الأيام الستة في العام 1967. لم ينته ذلك الوجود وقتذاك، إلّا بالقرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات في العام 1972، وذلك في أثناء الإعداد لحرب أكتوبر 1973. مهّدت تلك الحرب، من وجهة نظر مصر، لتحريك الوضع السياسي في المنطقة، وصولا إلى اتفاقيْ كامب ديفيد في خريف 1978، ثم معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في مارس 1979. تلك المعاهدة التي لم يفهم معناها ويستوعب أبعادها النظامان البعثيان في العراق وسوريا. الملفت أنّ النظام في العراق كان مرتبطا بمعاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفييتي منذ العام 1972، في حين أن النظام السوري لم يجد حاجة إلى مثل هذه المعاهدة إلّا بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل، وبداية ظهور إشارات إلى توتّر داخلي، ذي طابع مذهبي وطائفي، في سوريا نفسها، بما يهدّد النظام الأقلّوي لحافظ الأسد.

أدرك أنور السادات باكرا معنى الوجود العسكري السوفييتي في مصر وخطورته. أدرك، خصوصا، أنّه لن يستطيع شنّ حرب من أي نوع كان على إسرائيل في ظل هذا الوجود، فكان قراره بطرد الخبراء العسكريين السوفييت الذين لم يكن لديهم من هدف سوى تكريس حال اللا حرب واللا سلم التي صبّت، دائما، في مصلحة إسرائيل التي تسلّحت دائما بمرور الوقت لفرض أمر واقع على الأرض، سواء أكان ذلك في الضفّة الغربية المحتلة أو في الجولان.

كانت هذه الحال، حال اللا حرب واللا سلم، في أساس وجود النظام السوري. كانت فلسفة الحكم لدى حافظ الأسد منذ حرب العام 1967 التي لعب دورا أساسيا في جرّ مصر إليها، عندما كان وزيرا للدفاع. كانت تلك الفلسفة القاسم المشترك الدائم بينه وبين إسرائيل.

متى استعرضنا السياسة التي اعتمدتها موسكو في المنطقة العربية، وحتّى في مناطق الجوار العربي، نجد أن الكرملين لم يستطع يوما لعب دور إيجابي على أي صعيد كان. كان السلاح السوفييتي والروسي الذي رافقه إرسال خبراء عسكريين في كلّ وقت في خدمة أمريْن. الأوّل تشجيع الأنظمة على قمع شعوبها، والآخر ضمان عدم حصول أيّ تفوق على إسرائيل التي كانت إلى ما قبل فترة قصيرة رأس الحربة للسياسة الأميركية في المنطقة.


ثمّة من سيقول إنّ الاتحاد السوفييتي دعم القضية الفلسطينية. هذا الكلام غير صحيح بأيّ شكل. الصحيح، إلى حدّ كبير أنّ الاتحاد السوفييتي قدّم كلّ ما يستطيع من أجل بقاء الفلسطينيين في أسْر الشعارات التي رفعوها، وكي يغرقوا في أسر بيروت وأزقتها ووحول الحروب الداخلية التي عادت على لبنان بالويلات. لم يقف الكرملين في أيّ يوم موقفا يستشفّ منه أنّه يعمل من أجل كسر الحلقة المغلقة التي بقيت القضية الفلسطينية تدور فيها في ظلّ الحرب الباردة التي انتهت في نوفمبر من العام 1989، عندما سقط حائط برلين.

ما الذي يمكن توقّعه الآن من التدخل الروسي في سوريا، وهو تدخّل بدأ يأخذ في الأسابيع القليلة الماضية منحى جديدا؟

الجواب أنّ لا هدف آخر لموسكو سوى تمديد الحروب المختلفة الدائرة على الأرض السورية. ولكن، إذا كان من جديد، فهذا الجديد هو التنسيق مع إيران وإسرائيل في هذا الشأن. الهدف أن لا تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام. في كلّ مكان تدخّلت فيه موسكو عسكريا وسياسيا في المنطقة، نجد الخراب. ماذا كانت نتيجة الوجود العسكري السوفييتي في الصومال أيّام محمّد سياد بري؟ ماذا كانت نتيجة الدعم السوفييتي لمنغيستو هايلي مريم في إثيوبيا في مرحلة لاحقة؟

هل هناك من يريد أن يتذكّر الدور السلبي للاتحاد السوفييتي في مجال دعم التحولات الكارثية التي شهدها اليمن الجنوبي منذ استقلاله في العام 1967 وحتّى انهيار النظام في مطلع العام 1986 إثر الأحداث المأساوية المعروفة بـ”أحداث الثالث عشر من يناير” التي انتهت بإبعاد علي ناصر محمّد عن السلطة؟

تكفّل الاتحاد السوفييتي بتخريب التركيبة الاجتماعية والاقتصادية في كلّ المحافظات التي كان يتألّف منها اليمن الجنوبي. قضى على كلّ ما هو حضاري في عدن التي كانت منارة من منارات شبه الجزيرة العربية. هجّر كلّ الثروة البشرية التي كانت في محافظات الجنوب والوسط. تتحمّل موسكو، بكلّ راحة ضمير، جزءا من المسؤولية عمّا يشهده اليمن كلّه اليوم.

في تاريخ التعاطي مع سوريا، لم يأت الاتحاد السوفييتي، الذي ورثته روسيا الاتحادية، بجديد في العام 2015. في العام 1958، إبّان الوحدة المصرية – السورية، نكّل جمال عبدالناصر، عن طريق الضابط السوري عبدالحميد السرّاج بالشيوعيين السوريين. دفع الشيوعيون اللبنانيون أيضا ثمن هذا التنكيل. جثة الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، التي أذابها السرّاج بالأسيد، خير دليل على المدى الذي بلغه هذا التنكيل الذي انحازت موسكو إلى جانبه.

التاريخ يكرّر نفسه في كلّ مكان من المنطقة. الجديد في عهد فلاديمير بوتين هو أن الكرملين يلعب الدور المعهود منه أن يلعبه، مع آخرين، في دعم نظام مرفوض من شعبه.

كلّ ما يستطيع عمله من خلال هذا التدخل الذي لا أفق سياسيا له، والذي يبرّره بالحرب على داعش، هو إطالة عمر نظام ميّت لم يرد يوما استعادة أرضه المحتلة منذ ثمانية وأربعين عاما، بل اعتبر دائما أن الانتصار على لبنان وشعبه بديل عن الانتصار على إسرائيل. لن يوفّق بوتين حيث فشل أسلافه. حنينه إلى استعادة عظمة روسيا سيظلّ حنينا، على الرغم من أن لروسيا مصالح في الساحل السوري مرتبطة بالغاز أوّلا وأخيرا.

لا يمكن للسياسة الروسية في سوريا أن تنجح، على الرغم من الدعم الإيراني والإسرائيلي، والتواطؤ التركي. لا يمكن لهذه السياسة النجاح في ظلّ الضعف الذي يعاني منه الاقتصاد الروسي، خصوصا أنّ أسعار النفط والغاز مستمرة في الهبوط. تكمن نقطة الضعف الكبرى لدى بوتين في أنّه بنى آلة عسكرية كبيرة على قاعدة اقتصادية بالغة الهشاشة. لم يستطع تطوير اقتصاد بلاده وإخراجه، ولو جزئيا، من أسر عائدات النفط والغاز.

الأهمّ من ذلك كلّه، أن حصانه في سوريا ليس حصانا، حتّى لو كان هذا الحصان دمية إيرانية… في حين أنّ كلّ ما يهمّ إسرائيل، إضافة إلى تحييد صواريخ “حزب الله” الإيرانية طبعا، هو التأكّد من أنّه لن يكون في سوريا من يرفع صوته ويطالب بالجولان يوما.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حصان بوتين في سوريا ليس حصانا حصان بوتين في سوريا ليس حصانا



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 10:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم

GMT 21:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى عبد الغني توجّه رسالة إلى محمد صلاح

GMT 17:26 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 20 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:09 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا ترد على رسالة طالب جامعي بطريقة طريفة

GMT 11:06 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للبنوك المصرية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon