توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رستم غزالة... الذي مات على دفعات

  مصر اليوم -

رستم غزالة الذي مات على دفعات

خيرالله خيرالله

هناك أشخاص يموتون على دفعات. أحد هؤلاء رستم غزالة الضابط السنّي في الجيش السوري الذي أعلنت وفاته قبل أيّام، بعد أسابيع قليلة من خروجه من موقع مدير شعبة الأمن السياسي.

في الواقع مات رستم، قبل عشر سنوات من موته جسديا. مات، مع انتهاء صلاحيته في اليوم الذي خرجت فيه القوات السورية من لبنان على دم رفيق الحريري ورفاقه.

مات رستم غزالة نظريا قبل عقد من الزمن، بعدما أدّى الدور المطلوب منه في مرحلة معيّنة. كان دوره محصورا، وقتذاك، بتأكيد أن هناك مرجعية سورية جديدة بالنسبة إلى اللبنانيين ولبنان. إنّها المرجعية التي أتت بإميل لحّود رئيسا للجمهورية في العام 1998. كان مطلوبا مكافأة إميل لحّود على منعه أيّ محاولة جدّية، من أيّ نوع، لنشر الجيش في جنوب لبنان تمهيدا للانسحاب الإسرائيلي الذي كان مطروحا بشكل جدّي تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 1978.

هذه المرجعية السورية الجديدة تختلف تماما عن تلك التي كانت معتمدة سابقا، قبل أن يحلّ بشّار الأسد مكان والده بشكل تدريجي، وصولا إلى خلافته في منتصف العام ألفين. هذا لا يعني في أي شكل أن المرجعية القديمة كانت صالحة، وغير فاسدة، على الرغم من إصرار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على الإشادة في كلّ مناسبة بأحد أركانها، هو العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان السابق. كان الشهابي من سنّة الأطراف الذين كانوا موضع ثقة حافظ الأسد، ولكن كان مطلوبا إبعاده في مرحلة الإعداد لخلافة بشّار لوالده.

تأكيد وجود مرجعية جديدة للبنان، كان معنى حلول رستم غزالة السنّي مكان غازي كنعان العلوي في السنة 2002. كان مطلوبا من اللبنانيين أخذ علم بسياسة مختلفة في سوريا، تقوم أوّل ما تقوم على التعاون الكامل مع “حزب الله” بصفة كونه ذراعا إيرانية.

لم يكن رستم، بحدّ ذاته، يوما شخصا مهمّا. قصته تختزل قصص عشرات الضبّاط السنّة، الآتين من خلفية اجتماعية متواضعة، في الجيش السوري. على هؤلاء أن يثبتوا يوميا مدى ولائهم للنظام العلوي، ومدى الاستعداد للذهاب بعيدا في ممارسة كلّ أنواع القمع من أجل إثبات أنّهم يستأهلون الثقة التي وُضعت فيهم. كان ذلك واجبا يوميا مفروضا على كلّ ضابط في ضوء الكره الذي كان يكنّه حافظ الأسد لسنّة المدن الكبيرة، الذين سارع إلى إبعادهم عن أي موقع مهمّ في المؤسسة العسكرية، تمهيدا لتهميشهم سياسيا.

كانت المرحلة التي حلّ فيها رستم غزالة مكان غازي كنعان، مرحلة الضغط على رفيق الحريري بطلب مباشر من بشّار الأسد الذي بدأ منذ ما قبل توليه الرئاسة، أي منذ راحت الحال الصحّية لوالده تتدهور في العام 1998، يركّز على خطّ سياسي جديد. فحوى هذا الخط الاستسلام كلّيا لإيران ولـ“حزب الله” بدل اعتماد نوع من التوازن بين ما هو عربي وغير عربي في المنطقة… من منطلق علوي أوّلا.

برع حافظ الأسد في إتقان لعبة التوازن، خصوصا بين المملكة العربية السعودية وإيران. وعلى الأرض اللبنانية حرص دائما على أن يكون “حزب الله” في خدمته كورقة تستخدم في منع بناء مؤسسات الدولة اللبنانية وتستنزف الجنوب اللبناني وأهله. كان خوف الأسد الأب من عودة الدولة اللبنانية القوية المعافاة، ومن غياب القدرة على إبقاء جرح الجنوب اللبناني جرحا نازفا يعوّض عن التفاهم الضمني مع إسرائيل الذي أغلق جبهة الجولان في العام 1974. كانت هناك نقاط التقاء كثيرة بين حافظ الأسد وإيران. لكنّه كان يدرك في كلّ وقت أن عليه إخفاء الإرتباط المذهبي بها كي يتمكن بين وقت وآخر من المحافظة على هامش مناورة مع العرب الآخرين.

تكمن أهمّية رستم غزالة في أنّه تعبير عن مرحلة لعب فيها الدور المطلوب منه. ذهب رستم بعيدا. تحوّل من ضابط صغير جاء إلى لبنان وكان ثمنه “غروس مارلبورو” (عشر علب مارلبورو)، على حدّ تعبير شخص عرفه في بلدة حمّانا الإستراتيجية، إلى وصيّ على البلد. لم تعد تكفيه ملايين “بنك المدينة” الذي طلب بشّار الأسد من الشهيد رفيق الحريري في الشهر الأخير من السنة 2003 عدم الإشارة إليه في وسائل الإعلام التابعة له، لا من قريب ولا من بعيد. لم يكن الطلب بلغة مهذّبة بأي شكل من الأشكال، بل كان مرفقا بتهديد كان ثلاثة ضباط، أحدهم رستم، شهودا عليه.

تحكي قصة رستم غزالة، قصة الضابط السنّي المصرّ على تسلّق السلّم في نظام علوي، صار مع بشّار الأسد نظاما عائليا، مأساة سوريا بكلّ أبعادها.

فبعد الخروج العسكري والأمني من لبنان، صار رستم مضطرا إلى تلقي الضربة تلو الأخرى، خصوصا أنّه كان يعرف الكثير عن لبنان والفضائح السورية فيه، وعن المراحل التي مرّ بها الإعداد لاغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005.

من الصعب الجزم بأن رستم كان يعرف التفاصيل الدقيقة للإعداد للجريمة، ذلك أن مثل هذه التفاصيل تبقى ضمن دائرة ضيقة جدا في دمشق وطهران. لكن الأكيد أنّه كان في أجوائها، مثله مثل كثيرين آخرين في لبنان وسوريا يعرفون شيئا عن نفسية بشّار الأسد وذهنيته، وعن المشروع التوسّعي الإيراني. هذا المشروع الذي وجد في الاحتلال الأميركي للعراق فرصة لانطلاقة جديدة في كلّ الاتجاهات، خصوصا في سوريا ولبنان…

مات رستم موتا بطيئا. عرف أنّه انتهى في السادس والعشرين من أبريل 2005، يوم غادر آخر جندي سوري الأراضي اللبنانية. في سوريا، عاد رستم ضابطا سنّيا لا أكثر، أي ضابطا من الدرجة الثانية عليه أن يحظى يوميا برضا مسؤوله العلوي. لم تعد لديه مهمّة يستطيع تأديتها غير إظهار الولاء. والولاء يعني، أوّل ما يعني، ممارسة كلّ ما أمكن من وحشية مع أهل منطقته الثائرين على النظام.

هل من قصاص أكبر من هذا القصاص الذي لا يليق سوى بمن على شاكلة هذا النوع من الضبّاط؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رستم غزالة الذي مات على دفعات رستم غزالة الذي مات على دفعات



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon