توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رمزية تكريت

  مصر اليوم -

رمزية تكريت

خيرالله خيرالله

الجيش العراقي ظهر في مظهر الجيش الفئوي الذي يقبل أن يسيره الإيراني وإلى جانبه ميليشيات مذهبية سميت 'الحشد الشعبي'.

يقود قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني القوات الحكومية العراقية والميليشيات التابعة لها وقوات أخرى إيرانية في معركة تكريت.

انتصرت كل هذه المجموعات العاملة تحت إمـرة الضـابط الإيـراني، علـى تكـريت أم لـم تنتصـر، ليـس ذلـك لـبّ المشكلة القـائمة. يتمثل جانب من المشكلة في وجود قائد إيراني على رأس مجموعة مذهبية تسعـى إلى استعـادة مدينـة عراقية من تنظيم إرهابي. أمّا الجـانب الآخر من المشكـلة، فعـائد إلى وجـود رمزيـة لتكريت كمـدينة، ولما بعد مرحلة إخراج “داعش” من تكريت.

الرمزية، في ما يخصّ تكريت التي خرج منها عدد كبير من ضبّاط الجيش العراقي، رمزية إيرانية تكشف، أوّل ما تكشف، تلك الرغبة في الانتقام وإخضاع العراق وتغيير طبيعة تركيبته الاجتماعية نهائيا في الوقت ذاته.

ما نشهده حاليا تطور جديد على الصعيد الإقليمي يكشف حجم التدخل الإيراني في العراق من جهة، ومدى قدرة إيران على التحكم بقوى عسكرية تعمل خارج أراضيها من جهة أخرى. تعمل هذه القوى العسكرية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وربّما في أماكن أخرى مثل قطاع غزّة حيث لإيران مجموعات عسكرية تابعة لها مثل “الجهاد الإسلامي” فضلا عن بعض فروع “حماس”.

بالنسبة إلى العراق نفسه، ليست قيادة قاسم سليماني للقوات العراقية وللميليشيات العراقية وغير العراقية، التي تسعى إلى استعادة تكريت من تنظيم “داعش” الإرهابي، حدثا عابرا. هناك تورّط إيراني إلى أبعد حدود في كلّ ما يدور في العراق. تريد إيران إثبات أنّ العراق صار مجرّد مستعمرة. هناك أمر واقع تحاول إيران تكريسه على الأرض.

قبل كلّ شيء، تريد إيران توجيه رسالة إلى كل من يعنيه الأمر. فحوى الرسالة أنّ حلول الدكتور حيدر العبادي مكان نوري المالكي في موقع رئيس الوزراء، لا يعني أيّ تغيير جوهري وأنّ سليماني، وغيره من المسؤولين الإيرانيين يستطيعون دخول العراق ساعة يشاؤون، وكيفما يشـاؤون، ومع من يشـاؤون من دون وجـود مـن يعترض على ذلك. أكثر من ذلك، هناك نوّاب عراقيون على استعداد ليكونوا حرّاسا شخصيين لسليماني الذي ظهر في إحدى الصور مع عضو في مجلس النوّاب ينتمي إلى ميليشيا مذهبية، يرتدي قميصا أسود ويحمل رشاشا… ويلعب دور الحارس الشخصي له!

تريد إيران القول أنّ أحقادها لا تموت. جاء سليماني للمشاركة في المعركة التي تستهدف إخراج “داعش” من تكريت، وذلك تمهيدا لدخول المدينة التي ارتبط اسمها باسم الرئيس السابق صدّام حسين، علما أن صدّام ليس من تكريت نفسها، ولا ينتمي إلى إحدى عائلاتها الكبيرة المعروفة.

صدّام من قرية قريبة من تكريت اسمها العوجا. أهل العوجا معروفون بـ”طبعهم الذي لم يألفه التكارتة ولم يحبّوه، فهو مجبول بالعنف وقلة التهذيب والخشونة في التعامل مع الآخرين والتسلّط والابتزاز” (كتاب “دولة الإذاعة” – صفحة 29 للزميل إبراهيم الزبيدي، ابن تكريت، الذي عرف صدّام صغيرا، ورافق صعوده وصولا إلى أعلى الهرم).

في كلّ الأحوال، وبعيدا عن نشأة صدّام حسين وأصوله، هناك هدف إيراني يختزله هاجس الانتقام من العراق. هذا الهاجس لا يمكن أن يشكّل أساسا لعلاقات طبيعية بين بلدين تواجها طوال ثماني سنوات في حرب يبدو أنّها لم تنته بعد من وجهة النظر الإيرانية.

المفارقة أنّ هناك إصرارا على استمرار الحرب بمشاركة أميركية. الأميركيون أزاحوا صدّام حسين وسلّموا العراق على صحن من فضّة إلى إيران. نراهم الآن شركاء إيران في الحرب على “داعش” من دون طرح سؤال في غاية البساطة هو الآتي: ما النتائج التي ستترتب على وجود قائد إيراني من “الحرس الثوري” على رأس القوات التي ستستعيد تكريت من “داعش” بدعم أميركي؟

لا مجال لقبول أيّ تصرّف لـ“داعش” وما شابهه من تنظيمات إرهابية وذلك تحت أيّ مبرّر كان. ولكن هذا لا يعني التغاضي عن أن الممارسات الإيرانية التي يتحكّم بها الحقد على أهل السنة في العراق لعبت دورها في إيجاد حاضنة للإرهاب في مناطق عدّة.

لا يمكن بناء دولة عراقية لكلّ العراقيين في ظلّ تفاهم إيراني – أميركي على أن يكون العراق مجرّد مستعمرة إيرانية يسرح ويمرح فيها قاسم سليماني بحجة “الحرب على الإرهاب”. مثل هذا الواقع القائم حاليا على الأرض يؤسّس لمزيد من التوتر ذي الطابع المذهبي في البلد. مثل هذا الواقع الذي نشهد أحد فصوله في تكريت، ومحيط تكريت، يشكّل الطريق الأقصر لتمدد “داعش” مستقبلا بدل اقتلاع التنظيم من جذوره والقضاء على البيئة التي يستطيع استغلالها لممارسة وحشيته.

ما قد يكون أخطر من كلّ ذلك، أنّ معركة تكريت كشفت هشاشة المؤسسات العراقية، بما في ذلك رئاسة الوزراء والجيش العراقي. ظهر هذا الجيش في مظهر الجيش الفئوي الذي يقبل أن يسيّره الإيراني، من بعيد وقريب، وإلى جانبه ميليشيات مذهبية سمّيت “الحشد الشعبي”. أمّا العشائر السنّية العربية، فيبدو أفرادها أقرب إلى ممثلين ثانويين في مسرحية. إنّها مسرحية عنوانها الأوّل والأخير الحرب العراقية – الإيرانية المستمرّة منذ العام 1980 من القرن الماضي، وأنّه ليس صحيحا أنّ آية الله الخميني اضطر إلى التناول من “كأس السم” ووقف هذه الحرب في العام 1988.

بغض النظر عن تركة صدّام حسين، تبقى لتكريت رمزيتها. يكفي أنّها أظهرت إلى أيّ حدّ صار الوجود الإيراني في العراق طاغيا. هناك قوات إيرانية تدخل العراق من دون حسيب أو رقيب.

كان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي دقيقا في توصيفه عندما قال، وإلى جانبه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إنّ “إيران تستولي على العراق”. فالواضح أنّ هناك رغبة إيرانية في جعل كلّ مؤسسة عراقية مرتبطة، بطريقة أو بأخرى، بالقرار الصادر من طهران. الدليل على ذلك أن كلّ ما يقال عن تنسيق أميركي – عراقي يبدو وكأنّه استكمال لحرب العام 2003 حين غزت الولايات المتحدة العراق وأسقطت النظام العائلي ـ البعثي فيه.

بعد الحرب الأميركية على العراق التي خلّفت زلزالا ما تزال آثاره تتردد في الإقليم كلّه، حقّقت إيران بعض أهدافها بواسطة إدارة جورج بوش الابن. حان الآن وقت تحقيق ما تبقّى من هذه الأهداف بواسطة إدارة باراك أوباما من جهة، و”داعش” من جهة أخرى…

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رمزية تكريت رمزية تكريت



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon