توقيت القاهرة المحلي 20:21:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا يوجد في العراق نصف غاندي وربع مانديلا

  مصر اليوم -

لا يوجد في العراق نصف غاندي وربع مانديلا

خيرالله خيرالله

ينطبق على العراق هذه الأيّام مثل فرنسي يقول “كلّما تبدّلت الأمور، كلما بقي كلّ شيء على حاله”، فلا شيء يتغيّر في العراق منذ العملية العسكرية الأميركية في العام 2003 والتي توّجت بإسقاط النظام العائلي ـ البعثي الذي كان على رأسه صدّام حسين.

نعم، لم يتغيّر شيء في العراق. رحل نوري المالكي وحلّ مكانه الدكتور حيدر العبادي. كانت هناك آمال كبيرة معلّقة على الأخير قبل أن يتبيّن أن الأمور تسير نحو الأسوأ.

ما يؤكّد ذلك، أن تكريت، التي تحرّرت من “داعش”، لا تزال خالية من أهلها وذلك بعد مضي أسابيع عدة على دخول الجيش العراقي إليها. تبيّن بكل بساطة أن الإمرة في تكريت لا تزال للميليشيات الشيعية التي تعمل تحت راية “الحشد الشعبي” والتي تولت الانتقام من أهل تكريت ونسف بيوتهم ونهبها من منطلق أنّها مسقط رأس صدّام حسين. هل يبني الانتقام دولا ومؤسسات حديثة؟ ألا يوجد في العراق، هذا البلد الغنيّ بالرجال، نصف غاندي وربع نيلسون مانديلا؟

إلى متى يستمرّ العمل بروح الانتقام في العراق؟

ما هو مستغرب بالفعل تكرار تجربة تكريت في محافظة الأنبار حاليا بعدما استطاع “داعش” السيطرة على مدينة الرمادي فيها. هناك حملة عسكرية باشرت بها الميليشيات الشيعية من أجل استعادة الرمادي. أطلقت على هذه الحملة تسمية “لبيك يا حسين” وكأن الحسين حكر على قسم من العراقيين الذين يسعون إلى الانتقام له.

قبل كلّ شيء هذا تزوير للوضع السائد في العراق تاريخيا. هناك شيعة وسنّة يطلقون على أبنائهم اسم حسين. كلّ ما في الأمر أن هناك رغبة، لدى جهات معيّنة، في استغلال “داعش” لإثارة الغرائز المذهبية وتعميق الشرخ المذهبي في البلد بهدف الحؤول دون أن تقوم له قيامة في يوم من الأيّام.

لو لم يكن الأمر كذلك، لكانت الحكومة العراقية اعترضت فورا على رفع شعار “لبيك يا حسين” ولم تنتظر ردّ الفعل الأميركي ورد فعل رجل دين وزعيم سياسي مثل مقتدى الصدر، كي تبدأ في التفكير في كيفية اعتماد شعار مختلف لا يستفزّ أهل السنّة.

    هناك رغبة لدى جهات معيّنة في استغلال داعش لإثارة الغرائز المذهبية وتعميق الشرخ المذهبي في البلد بهدف الحؤول دون أن تقوم له قيامة في يوم من الأيام

في كلّ الأحوال، جاء تغيير الشعار متأخرا. الأهم من ذلك، أن ليس ما يدل، إلى الآن، أن تغييرا حصل في العقلية التي تتحكّم بالحكومة العراقية التي يُفترض أن تكون حكومة لكلّ العراقيين.

ما نشهده حاليا في العراق، يندرج في مسلسل يصبّ في توفير حاضنة شعبية لـ”داعش”. من يريد بالفعل تحرير الرمادي والعمل مستقبلا على تحرير الموصل، لا يلجأ أوّلا إلى الميليشيات الشيعية التي لا تؤمن سوى بكيفية تصفية حساباتها مع السنّة العرب. بكلام أوضح، لا رغبة حقيقية في مواجهة “داعش”. على العكس من ذلك، هناك رغبة في الانتهاء من العراق الذي عرفناه في ضوء سيطرة الميليشيات الشيعية على بغداد. ليس صدفة أن الإعداد للحملة على “داعش” في الرمادي، ترافق مع منع أهلها، الهاربين من الإرهاب والإرهابيين، من دخول بغداد والإصرار على أن يكون هناك كفيل لكلّ من يريد اللجوء إلى العاصمة تفاديا لظلم “داعش” وبطشه ووحشيته.

في النهاية، هل تريد الحكومة العراقية قتال “داعش” أم لا؟ الواضح، أنّها تسعى إلى استغلال “داعش” وليس العمل من أجل التخلّص منه. هذا ما يحصل في سوريا أيضا حيث يفضّل النظام المدعوم من إيران ومن الميليشيات الشيعية، على رأسها “حزب الله”، تسليم مناطق معيّنة إلى “داعش”. هذا ما حصل أخيرا في تدمر أمام أنظار العالم بهدف واضح كلّ الوضوح. كلّ ما يريده نظام بشّار الأسد الترويج لفكرة خاطئة هي أنّه في حرب مع “داعش”. العالم كلّه يعرف من شجع “داعش” وأطلقها مجدّدا، بما في ذلك نوري المالكي نفسه الذي راح يشكو إبان ولايته الأولى كرئيس للوزراء من إرسال بشّار الأسد إرهابيين إلى العراق لتنفيذ عمليات تخريبية فيه.

لا حاجة إلى التذكير أيضا بأنّ السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” يسعى إلى تخويف اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم من “داعش”. يحصل ذلك في وقت يعرف كلّ لبناني يمتلك ذرة من العقل والمنطق، أنّه إذا كان من سبب لوجود أيّ خطر، على لبنان، مصدره “داعش”، ففي أساس هذا الخطر تورّط الحزب في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه من منطلق مذهبي بحت.

حتّى عبدالملك الحوثي، زعيم “أنصار الله” في اليمن، صار يستعين بـ”داعش” لتبرير الحملة التي يقوم بها في اليمن من أجل تحويله مستعمرة إيرانية تستخدم قاعدة لتهديد المملكة العربية السعودية خصوصا ودول الخليج العربي عموما.

لن يتغيّر شيء في العراق وغير العراق قبل أن تتغيّر ذهنية معيّنة تراهن على الغرائز المذهبية وتستثمر فيها. مثل هذه الذهنية المريضة جزء لا يتجزّأ من المشروع التوسّعي الإيراني الذي يستهدف العراق. يقوم هذا المشروع على فكرة تغيير طبيعة المجتمع العراقي وتكريس الشرخ المذهبي فيه إلى ما لا نهاية. هل من خدمة لـ”داعش” أكبر من هذه الخدمة، علما أن “داعش” قد يظهر مستقبلا تحت تسمية مختلفة ليرتكب الفظاعات نفسها؟

من حسن الحظ أنه لا تزال هناك أصوات عاقلة في المنطقة تدعو إلى التروي واستخدام المنطق. من بين هذه الأصوات الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة الذي قال على هامش زيارة لموسكو “إنّ محاصرة الإرهاب والقضاء عليه، لا يمكن أن تتمّا دون معالجة أسباب ظهوره وانتشاره في المجتمع. إنّها أسباب خلّفها نظاما دمشق وبغداد بقمعهما لشعبيهما وعدم تحقيق المساواة بين مواطني البلدين دون تمييز بين عرق أو دين أو طائفة”، مضيفا “لو تمكنا من القضاء على دعش واخوته من التنظيمات الإرهابية، سيولد من جديد، ما لم تتمّ معالجة أسباب ظهوره من الجذور”.

لا مفرّ من العودة إلى الجذور. والعودة إلى الجذور تعني تغييرا في العراق وسوريا وفي كلّ مكان فيه ميليشيات شيعية. بوجود هذه الميليشيات يبدو “داعش” مستقبل المنطقة. اليوم تحت هذا الاسم وغدا تحت اسم آخر..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا يوجد في العراق نصف غاندي وربع مانديلا لا يوجد في العراق نصف غاندي وربع مانديلا



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon