توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا إيران مع تقسيم العراق

  مصر اليوم -

لماذا إيران مع تقسيم العراق

خيرالله خيرالله

من يريد تقسيم دول المنطقة، انطلاقا من العراق؟ هل أولئك الذين ينادون بوحدة العراق يدافعون بالفعل عن هذه الوحدة.. أم أنّهم يطلقون نداء، مجرد نداء، بهدف غسل يدهم من التقسيم؟

الواضح، أن ليس كلّ من ينادي بوحدة العراق، يسعى إلى تفادي تقسيم البلد. الدليل على ذلك ممارسات الأحزاب المذهبية العراقية وغير العراقية التي تعمل كلّ ما تستطيع عمله من أجل الدفع في اتجاه التقسيم.

انتهز الأمين العام لـ”حزب الله” في لبنان السيّد حسن نصرالله فرصة وفّرها له خطابه الأخير من أجل التحذير من تقسيم العراق. انطلق من إقرار إحدى لجان مجلس النواب الأميركي دعوة إلى تسليح الكيانات العراقية المختلفة بشكل مباشر، كي يشنّ حملة شديدة على الذين يعملون من أجل تقسيم العراق، على رأسهم الولايات المتحدة.

من حقّ نصرالله، الذي يعبّر عن السياسة الإيرانية، التحذير من التوجه السائد في الكونغرس الذي يمكن أن يصل إلى مرحلة يدعو فيها مجلساه إلى تسليح السنّة العرب والأكراد من دون المرور بالحكومة المركزية في بغداد. وهذا سيعني ربط أيّ مساعدات عسكرية للعراق وجيشه بتسليح هذين المكوّنين.

هناك مثل هذا التوجّه في أوساط الكونغرس الأميركي، خصوصا أن ليس في بغداد من يسعى فعلا إلى تأكيد أنّ الحكومة العراقية حكومة لكلّ العراقيين وأنّ “الحشد الشعبي” ليس سوى ميليشيات مذهبية لا هدف لها سوى الانتقام من السنّة العرب في العراق وخارج العراق.

يتبيّن كلّ يوم أنّ الهمّ الأوّل لـ”الحشد الشعبي” الذي ارتكب كلّ الفظاعات في تكريت الانتقام من السنّة العرب وليس مواجهة “داعش”. كان آخر مثال على ذلك، بدء الإعداد للحملة الهادفة إلى القضاء على “داعش” في محافظة الأنبار. بدأت هذه الحملة بدخول الميليشيات الشيعية مناطق في الأنبار، بينها النُخيب، بهدف توسيع حدود محافظة كربلاء. النُخيب منطقة في غاية الأهمّية والحساسية نظرا إلى أنّها منطقة سنيّة وأن شيخ قبائل عنزة منها. ليس سرّا أن هناك رابطا بين عنزة وعائلات حاكمة في دول الخليج تنتمي إلى هذه القبائل..

خرج أحد المعلّقين العراقيين، عبر إحدى الفضائيات العربية، ليبرّر سيطرة “الحشد الشعبي” على النُخيب. قال صراحة إن “الحشد” مؤسسة رسمية، مثله مثل أيّ مؤسسة حكومية عراقية أخرى. ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما قال إنّ أهالي كربلاء تعرّضوا في الماضي في تلك المنطقة لمعاملة سيئة واعتداءات وأن المطلوب الآن وضع حدّ لذلك. أي المطلوب ضمّ قسم من الأنبار، بما في ذلك النُخيب، إلى محافظة كربلاء لا أكثر ولا أقل!

ليس في الأفق ما يشير إلى تغيير في نهج الحكومة العراقية التي يرأسها الدكتور حيدر العُبادي. تكتفي هذه الحكومة بالاعتراض على أيّ توجّه أميركي من أجل تسليح السنّة العرب والأكراد. ليس بين أعضاء هذه الحكومة من يتساءل لماذا هناك مثل هذا التوجّه في واشنطن؟

في الواقع، ليس في بغداد من يطرح بجرأة السؤال الحقيقي الواجب طرحه. هذا السؤال هو: لماذا السياسة الأميركية سيئة الآن ولماذا كانت هذه السياسة من النوع المرغوب به عندما كان مطلوبا التخلّص من صدّام حسين ونظامه العائلي ـ البعثي؟

كانت هناك مشاركة إيرانية مباشرة وغير مباشرة في حرب العام 2003 التي انتهت بدخول الأميركيين بغداد وإسقاط النظام القائم. كانت إيران الحليف الوحيد للولايات المتحدة في تلك الحرب التي ترافقت مع دخول الميليشيات التابعة للأحزاب الشيعية الأراضي العراقية.

هناك الآن سياسة أميركية متوازنة إلى حدّ ما تأخذ في الاعتبار ما يتعرّض له السنّة العرب ومصالح الأكراد. ربّما كان أفضل ما يعبّر عن هذه السياسة البيان الصادر بعد المحادثات التي أجراها رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في واشنطن. التقى بارزاني كبار المسؤولين الأميركيين، بمن في ذلك الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن، الذي نادى منذ العام 2004 بضرورة تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات. على الرغم من ذلك، لم يتضمن البيان الرسمي الصادر بعد المحادثات أيّ إشارة إلى الكيانات العراقية. اكتفى البيان بالتطرق إلى “العراق الموحّد” ولكن من دون أن يتجاهل عبارتي “الفيدرالي” و”الديمقراطي”. أمّا بارزاني نفسه، فذهب لاحقا إلى تأكيد سعي الأكراد إلى إقامة دولتهم المستقلّة يوما ما.

ثمّة ما يفسّر كلّ هذا التضايق الإيراني من أيّ محاولة لوضع الأمور في نصابها، أي لتأكيد أن العراق بلد فيدرالي، بموجب الدستور، وأنّ الحرب على “داعش” لا يمكن أن تخفي حربا أخرى تستهدف السنّة العرب في العراق والمناطق التي يقيمون فيها.

يعبّر عن هذا التضايق الإيراني الذي ظهر للعيان بعد “عاصفة الحزم”، كلّ من له علاقة من قريب أو بعيد بطهران، بدءا بحسن نصرالله وصولا إلى حيدر العبادي، مرورا بزعماء الأحزاب الشيعية العراقية. بالنسبة إلى هؤلاء، هناك أداة اسمها الولايات المتحدة. هذه الأداة صالحة، بل موضع تقدير، عندما توصلهم إلى السلطة على ظهر دبابة أميركية تدخل بغداد وتقدّم العراق على صحن من فضّة إلى إيران.

هذه الأداة سيئة، بل أداة عدوانية، عندما تذكّر بالماضي وبالواقع العراقي وبأن هناك اتفاقا سبق العملية العسكرية التي استهدفت العراق. من بين بنود الاتفاق الإقرار بأنّ العراق سيكون دولة “فيدرالية” و”ديمقراطية”.

لا تريد إيران أن تتذكر من الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه قبل العملية العسكرية الأميركية سوى عبارة “الأكثرية الشيعية في العراق”. حسنا، هناك أكثرية شيعية في العراق. ولكن هل يعني وجود مثل هذه الأكثرية تغييب السنّة العرب ودفعهم في اتجاه “داعش” وما شابهه من تنظيمات إرهابية، وجعل الأكراد يسعون إلى الانفصال عن العراق؟

من يسعى بالفعل إلى وحدة العراق لا يتنكّر للأميركي الذي ربّما يريد تقسيم العراق. من يسعى بالفعل إلى تفادي الوقوع في الفخّ الأميركي يتصرّف بطريقة تؤدي إلى استيعاب السنّة العرب والأكراد بدل جعل كلّ همّه محصورا في الانتقام من السنّة وفي استرضاء إيران.

من هو حريص على وحدة العراق لا يتصرّف بالطريقة التي تصرّف بها في تكريت وغير تكريت.. ولا يعمل على ضم قسم من الأنبار إلى كربلاء ولا يمنع أهل الأنبار من دخول بغداد..

من يلجأ إلى مثل هذه الممارسات، إنّما يريد بالفعل تقسيم العراق وليس المحافظة على وحدته في هذه المرحلة بالذات.

إنّها مرحلة التحوّلات الإقليمية التي من أبرز سماتها “عاصفة الحزم” التي شكّلت أول دليل على وجود رغبة عربية في تأكيد أن المنطقة لم تعد متروكة لا لإيران ولا لغير إيران.. المنطقة لم تعد سائبة كما كانت عليه في الماضي القريب. الواضح أن إيران التقطت الرسالة وباتت ترى في تقسيم العراق حلا عمليا في غياب القدرة على ضمّ البلد كلّه وتحويله جرما يدور في فلكها..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا إيران مع تقسيم العراق لماذا إيران مع تقسيم العراق



GMT 09:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 09:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 09:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 09:06 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 09:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 09:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 08:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الاستقلال اليتيم والنظام السقيم

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon