توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لم يعد من مجال لكلمة 'ولكن'

  مصر اليوم -

لم يعد من مجال لكلمة ولكن

خيرالله خيرالله

لا يمكن تبرير جريمة 'شارلي إيبدو' بأي شكل. هذه الصحيفة الساخرة لم تركز على الإسلام والمسلمين فقط. كان اتجاهها المنتقد لكل ما هو ديني والساخر من الأديان عموما يشمل المسيحية أيضا.

لن تقلّ النتائج التي ستترتب على غزوة باريس عن تلك التي ترتّبت على غزوتي نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 2001. الفارق سيكون في أن ارتدادات غزوة باريس ستكون في الداخل الأوروبي وسيدفع ثمنها العرب والمسلمون المقيمون في القارة القديمة. لن تذهب فرنسا ولا أوروبا إلى حروب في الخارج كما فعلت الولايات المتحدة في 2001 عندما شنت حربا في أفغانستان، تلتها حرب العراق في 2003، بل سيكون التركيز من الآن فصاعدا على الداخل. سيكون هناك تدخّل محدود في ليبيا في حال سمحت الظروف بذلك.

بكلام أوضح، يُتوقّع أن تكون هناك انعكاسات على المجتمعات الأوروبية حيث بدأت تظهر منذ بضع سنوات مؤشرات في غاية الخطورة لجهة معاداة الإسلام كدين من دون تمييز بين مسلم وآخر…

سيظهر أنّ من نفّذ الجريمة المشينة التي استهدفت أسرة تحرير “شارلي إيبدو” في باريس، لم يسئ إلى الإسلام فقط. كشف الجريمة في الوقت ذاته أنّ هناك من يسعى إلى تعبئة المواطن الأوروبي في وجه كلّ ما هو مسلم أو عربي. ما الذي سيمنع مارين لوبان التي تتزعّم حزبا يمثّل أقصى اليمين الفرنسي من أن تصبح بعد سنتين رئيسا للجمهورية؟ هل من يتذكّر أن والدها ترشّح في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن في وجه جاك شيراك، بعد إزاحته المرشّح الاشتراكي من المنافسة؟
    
    

لا يمكن تبرير جريمة “شارلي إيبدو” بأي شكل. هذه الصحيفة الساخرة لم تركّز على الإسلام والمسلمين فقط. كان اتجاهها المنتقد لكلّ ما هو ديني والساخر من الأديان عموما يشمل المسيحية أيضا. لم توفّر الصحيفة أيّ ديانة من الديانات بما في ذلك اليهودية. بالغت “شارلي إيبدو” في أحيان كثيرة. كانت هناك لهجة استفزازية في ما تنشره وما يصدر فيها من رسوم كاريكاتورية. تناولت المسيح وتناولت البابا. مثل هذا التوجّه مقبول وعادي في بلد علماني مثل فرنسا.

كان على كلّ الذين يرفضون مثل ذلك النمط من الصحافة الامتناع عن العيش أو الإقامة في فرنسا بدل البقاء فيها والتمتع بالتقديمات الاجتماعية والحرّية. المسألة بالنسبة إلى رافضي القيم الفرنسية خصوصا والأوروبية عموما هي مسألة اندماج في مجتمعات مختلفة بدل العمل على تغييرها بالقوة وعبر الأعمال الإرهابية.

باختصار، إن سلوك “شارلي إيبدو”، بغض النظر عن أي رأي في الصحيفة نفسها وما تنشره، مضمون بموجب الدستور الفرنسي. لم يُقدم محرّرو الجريدة ورساموها على أيّ عمل مخالف للدستور أو للقوانين المرعية. فرنسا خاضت حروبها الدينية قبل خمسمئة سنة. إحدى أكبر المجازر بين الكاثوليك والبروتستنانت، وهي مجزرة سان بارتيليمي، كانت صيف العام 1572.

لا رقم دقيقا لعدد ما خلفته من قتلى. فالرقم يراوح بين خمسة آلاف قتيل في أقلّ تقدير وثلاثين ألفا، استنادا إلى بعض المؤرخين الجديّين. لكنّ فرنسا تجاوزت، مع تطوّر مجتمعها، مرحلة الحروب الدينية ودخلت مرحلة جديدة اسمها الجمهورية العلمانية التي تعترف بكل الديانات مع احترام كلّ رأي مخالف أيضا.

في كلّ الأحوال، لا يمكن عزل الجريمة التي استهدفت “شارلي إيبدو” عن صعود اليمين العنصري المعادي للإسلام عموما في أوروبا. فقبل أيّام من الجريمة شهدت مدن ألمانية عدّة تظاهرات ضد الإسلام كدين. هناك من اعترض على هذا التصرّف. الكنيسة نفسها تصدّت للمتظاهرين ضد الإسلام في بعض المدن مثل درسدن. كان على المسلمين في ألمانيا أن يسألوا أنفسهم ما هي المشكلة وما الذي جعل مواطنين في البلد يتظاهرون ضدّ الإسلام؟…

قبل ذلك ألقيت قنابل على مساجد في السويد وذلك في سياق موجة ذات طابع عنصري ترافقت مع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها معظم البلدان الأوروبية في وقت هناك متطوعون يسافرون من بلدان أوروبية إلى سوريا والعراق للالتحاق بـ”داعش”.

المشكلة بشكل عام أن مسلمين يقيمون في أوروبا يرفضون الاندماج بالمجتمع. إنّهم يهربون من بلادهم بحثا عن حياة أفضل. يريد هؤلاء تغيير طبيعة المجتمع الأوروبي الذي لجأوا إليه ووجدوا الحرية فيه. هذا ما دفع الملك عبدالله الثاني إلى أن يقول قبل نحو خمسة أسابيع، على هامش زيارة لواشنطن، كلاما جريئا بدا من خلاله أنّه يتوقّع الكارثة التي كانت باريس مسرحا لها.

قال العاهل الأردني في حديث طويل أجاب فيه عن ستة وثمانين سؤالا طرحها عليه الصحافي المشهور تشارلي روز: “نواجه مشكلة داخل الإسلام، علينا تولّيها بأنفسنا وأن ننهض ونقول الحقّ وندين الباطل. يجب أن نقول إنّ هذا لا يمثّل ديننا، بل هو الشرّ بعينه (…) إنّها معركة بين الخير والشرّ وهي معركة ستستمرّ لأجيال قادمة.

إنّها حرب عالمية ثالثة بوسائل مختلفة”. أضاف في سياق الحديث ذاته: “أنا مسلم، ولا داعي لأن تصفني بأنّي مسلم معتدل. أنا مسلم فقط، ولا أعلم ما يمثّله هؤلاء الإرهابيون أو فكرهم”.

هناك في العالم العربي من يعي خطورة الإرهاب ورفض الآخر باسم الدين. هناك من يعرف العالم. ليس صدفة أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان أوّل صوت عربي أدان العمل الإرهابي في أيلول ـ سبتمبر 2001. أدرك في اللحظة نفسها ذاتها خطورة الحدث وأبعاده وانعكاسه على المنطقة. كانت لدى الرئيس سعد الحريري ردّ الفعل ذاته بعد جريمة باريس المدانة بكلّ المقاييس.

هناك إرهاب استهدف الأميركيين، ثم استهدف البريطانيين في لندن. جاء دور فرنسا وباريس. لا شكّ أن إجراءات كثيرة ستتخذ في أوروبا في المجال الأمني. سيترافق ذلك مع صعود في شعبية الأحزاب المتطرّفة التي ستجعل الحكومات تتعاطى مع الجاليات الإسلامية بطريقة مختلفة تخلط بين الإسلام من جهة والتطرّف والإرهاب من جهة أخرى.

ليس صحيّا بقاء العرب بعيدين عن الصورة وأن تقتصر الحرب على الإرهاب على البعض، أي على الملك عبدالله بن عبد العزيز والملك محمّد السادس والملك عبدالله الثاني وعلى القيادة في دولة الإمارات.

آن أوان وضع استراتيجية شاملة تستند إلى أنّ الحرب على الإرهاب حرب عربية أيضا، لا لشيء سوى لأنّ العالم تغيّر.

لا داعي إلى تكرار أنّ العالم صار قرية صغيرة، بمقدار ما يُفترض التركيز على أنّه لم يعد من مجال لأي تهاون أو تبرير لعمل إرهابي من نوع ما استهدف “شارلي إيبدو”. لم يعد من مجال لكلمة “ولكن” تصدر عن أي عربي أو مسلم. إنّها بالفعل الحرب العالمية الثالثة كما قال العاهل الأردني…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لم يعد من مجال لكلمة ولكن لم يعد من مجال لكلمة ولكن



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon