توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس دفاعا عن 'الشرق الأوسط'

  مصر اليوم -

ليس دفاعا عن الشرق الأوسط

بقلم خيرالله خيرالله

الاعتداء على مكاتب 'الشرق الأوسط' فضح الدولة اللبنانية. من هنا، على ما بقي من الدولة الرد بما يتناسب مع الحدث الذي هو اعتداء على لبنان أكثر من أي شيء آخر.
هل “الشرق الأوسط” كانت على حق في نشر الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته وظهر فيه العلم اللبناني وإلى جانبه عبارة “كذبة نيسان”؟ يمكن الدخول في نقاش طويل يتعلّق بالذهاب بعيدا في شرشحة لبنان والدولة عبر صحيفة ذات وزن تمتلك حضورا واسعا. ما لا يمكن أن يكون موضوع نقاش هو الاعتداء الذي تعرّضت له مكاتب الصحيفة في بيروت.
يدعم هذا الاعتداء، بكل أسف، وجهة نظر الذين باتوا يعتبرون دولة لبنان، أي الجمهورية اللبنانية، التي كانت يوما جمهورية سعيدة، مجرّد كذبة.

من يقف وراء الاعتداء، أي الجهة المعروفة أكثر من اللزوم، التي استخدمت رعاعا لتنفيذ المهمّة، هو من أساء إلى لبنان، من وراء الاعتداء يحاول أن يجعل من لبنان كذبة حقيقية ومن علمه رمزا لتلك الكذبة.

قبل كلّ شيء، تحوّل لبنان إلى بلد لا يستطيع فيه مجلس النواب انتخاب رئيس للجمهورية. هل بلد من هذا النوع كذبة أم لا، خصوصا أن الجهة التي تمنع إجراء مثل هذه الانتخابات تتباهى بأن الوطن الصغير صار تابعا لإيران ليس إلا؟ لم يعد من مجال لانتخابات نيابية أيضا. ما معنى وجود مؤسسات في بلد يعتبر نفسه بلدا ديمقراطيا في غياب القدرة على إجراء مثل هذه الانتخابات؟

من اعتدى على مكاتب “الشرق الأوسط”، إنما يتابع اعتداءاته على لبنان وعلى ضيوف البلد. ما حصل يندرج في سياق واضح كلّ الوضوح يستهدف عزل لبنان عن محيطه الطبيعي وجعله مجرد جرم يدور في الفلك الذي يريده “حزب الله”. لا يمكن عزل الاعتداء على الصحيفة السعودية عن المحاولات المبذولة لتدجين لبنان. عندما زار سعد الحريري، بصفة كونه رئيسا لمجلس الوزراء اللبناني، العاصمة طهران في العام 2010، واجه ثلاثة مطالب طرحها الجانب الإيراني. المطلب الأول إعفاء المواطنين الإيرانيين من تأشيرة دخول إلى لبنان، “أسوة بالمواطنين الأتراك” على حد تعبير الإيرانيين وقتذاك.

كان المطلب الثاني توقيع معاهدة دفاع مشترك بين لبنان وإيران، على غرار الاتفاق الموقّع بين النظام السوري وطهران، والثالث دخول إيران النظام المصرفي اللبناني. كان مطلوبا من لبنان أن يساعد إيران في تجاوز العقوبات الدولية التي فرضت عليها، بغض النظر عن انعكاسات ذلك على لبنان وعلى نظامه المصرفي واقتصاده!

رفض سعد الحريري المطالب الثلاثة من منطلق المحافظة على ما بقي من الدولة اللبنانية وسيادتها وقرارها المستقل وتوجّهها العربي. كانت النتيجة إسقاط حكومته من منزل الجنرال ميشال عون خلال وجوده في اجتماع مع الرئيس باراك أوباما في واشنطن.

لم يكتف سعد الحريري بإحباط المخطط الإيراني، بل حال دون توقيع العماد ميشال سليمان، رئيس الجمهورية وقتذاك، على معاهدة الدفاع المشترك مع إيران أثناء وجود الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في قصر بعبدا.

لا يزال لبنان يعاني إلى الآن من الهجمة الإيرانية المستمرّة التي جعلت دول مجلس التعاون تمنع رعاياها من المجيء إلى البلد. من المفيد التذكير بين حين وآخر أنّ القرار الأوّل الذي اتخذته حكومة “حزب الله” التي خلفت حكومة الحريري، وكانت برئاسة نجيب ميقاتي، إلغاء نظام التأشيرات للإيرانيين…

يعيش لبنان واقعا أليما منذ سنوات طويلة، منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. عاد هذا الاتفاق بالويلات على اللبنانيين والفلسطينيين في آن.

صمد لبنان طويلا في وجه الهجمات التي يتعرّض لها والتي توّجت بالهجمة الشرسة التي تشنها إيران على السعودية من بيروت. صار شعار “الموت لآل سعود” متداولا بطريقة أو بأخرى في كلّ مرّة يُلقي فيها الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله خطابا أو كلمة. صارت الحملة على السعودية اختصاصا لدى نصرالله الذي فُجع بـ”عاصفة الحزم” التي حالت دون سقوط اليمن في يد إيران.

ليس دفاعا عن “الشرق الأوسط”. فالجريدة التي تطبع في لبنان وتوزّع فيه والتي تقدّر أهمّية بيروت قادرة على الدفاع عن نفسها. الدفاع هو عن لبنان الذي لم يعد يستطيع حماية مكاتب صحيفة عربية موجودة في بيروت إقرارا منها بأهمية العاصمة اللبنانية وتقديرا لها. هذه الجريدة موجودة في كلّ العالم، وهي تطبع وتوزّع في غير مكان، بما في ذلك المغرب، هل الهدف إخراج “الشرق الأوسط” من لبنان؟

نشهد اليوم فصلا آخر من مأساة لبنانية بدأت بقصة نجاح على كلّ صعيد، وانتهت بمعاناة ثقافة الحياة، بل بداية هزيمتها، في المواجهة التي تخوضها مع ثقافة الموت. إنّها الثقافة التي يسعى “حزب الله” إلى نشرها وتعميمها انطلاقا من بيروت.

كان طموح كلّ عربي في الماضي المجيء إلى بيروت وإرسال أولاده إلى جامعاتها. لا يمكن تجاهل أن العراقية زهى حديد التي غابت قبل أيام، وكانت بين أشهر المعماريين في العالم، خريجة الجامعة الأميركية في بيروت. انطلقت زهى حديد إلى العالمية من لبنان ومن بيروت وليس من مكان آخر.

في استطاعة اللبنانيين الاستفادة من درس الاعتداء على مكاتب “الشرق الأوسط” لطرح سؤال في غاية البساطة هو ما الذي حلّ ببلدهم؟ هل آن أوان الاعتراف بأنّ دويلة “حزب الله”، بكلّ ما تمثّله من تخلّف، انتصرت على الدولة اللبنانية؟ هل هذه هزيمة نهائية أم لا لفكرة اسمها لبنان المتنوع المنفتح على العالم؟

الثابت أن لبنان لا يمكن أن يستمرّ في صيغته الحالية بوجود حكومة معطّلة وفي غياب رئيس للجمهورية، خصوصا أن المخطط الهادف إلى منع العرب من أن يكونوا موجودين فيه بلغ مرحلة متقدّمة. يترافق ذلك مع منع تنفيذ أي مشروع يمكن أن يساعد بيروت في استعادة حيويتها. هناك في المقابل مشروع مضاد للبنان يقوم على تهجير العرب منه، والاستعاضة عنهم بالبؤس، مع ما يعنيه ذلك من تهجير للبنانيين من أرضهم.

هل مسموح أن يكون لبنان مجرد تابع لإيران، يخوض بشكل مباشر المعارك التي لا تريد أن تخوضها؟ هل مسموح أن يكون اللبنانيون وقودا للحروب التي تخوضها إيران بالوكالة، على رأسها الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري؟

فضح الاعتداء على مكاتب “الشرق الأوسط” الدولة اللبنانية. من هنا، على ما بقي من الدولة الردّ بما يتناسب مع الحدث الذي هو اعتداء على لبنان أكثر من أي شيء آخر. يُفترض في الدولة اللبنانية، إذا كان من دولة، اتخاذ الإجراءات السريعة كي تؤكد أن الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته الصحيفة ليس حقيقة، بل هو بالفعل “كذبة أوّل نيسان”، كما يقول اللبنانيون…

مرّة أخرى، ليس دفاعا عن “الشرق الأوسط”، بل دفاعا عن لبنان الذي تبيّن مع مرور الوقت، وعلى الرغم من كلّ ما تعرّض له، بسبب الوجود الفلسطيني المسلّح والاحتلال السوري وسلاح “حزب الله” المذهبي وغير الشرعي أنّه صيغة قابلة للحياة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس دفاعا عن الشرق الأوسط ليس دفاعا عن الشرق الأوسط



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 08:27 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

بعد تحوّل حرب غزّة.. إلى حرب "بيبي"

GMT 08:01 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

انتخابات الجزائر.. تبون في عالم خاص به!

GMT 11:14 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

لا حاجة إيرانية بعد... للاستعانة بابتسامة ظريف

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon