توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ولادة لنظام جديد في مصر؟

  مصر اليوم -

ولادة لنظام جديد في مصر

خيرالله خيرالله

كان إطلاق نجلي حسني مبارك غداة الاحتفال بالذكرى الرابعة لـ“ثورة الخامس والعشرين من يناير” حدثا بحد ذاته. يعود حسني مبارك، هو أيضا إلى الواجهة، خصوصا أنّه صار شبه طليق. هل خطوتا التعامل بشكل حضاري مع أفراد عائلة مبارك بداية قيام نظام جديد في مصر يحترم الإنسان أوّلا؟

تبدو الذكرى الرابعة للثورة مناسبة لوضع عهد مبارك، وما شهده من أحداث وتطوّرات، في السياق الطبيعي للتاريخ المصري الحديث بعيدا عن المبالغات في أي مجال من المجالات. فبداية تصحيح وضع مبارك ونجليْه هو، في نهاية المطاف، دليل على أن الثورة باشرت عملية إعادة تصحيح نفسها بعيدا عن الظلم والانتقام. فالظلم وروح الانتقام لا يبنيان ثورة، ولا يبنيان دولا ولا مؤسسات حقيقية تعترف بحكم القانون وسيادته أوّلا وأخيرا.

الرجل ظُلم، وظُلم معه نجلاه علاء وجمال اللذان سجنا في ظروف غير لائقة لا علاقة لها بدولة القانون، التي كان مفترضا أن تقوم بعد “ثورة 25 يناير”. في حال هناك اتهامات لمبارك ونجليه، لماذا لا يكون توضيح خطّي لكلّ شاردة وواردة كي لا يكون من مجال للشكّ في أن الثلاثة ارتكبوا تجاوزات، بدل ترك الأبواب مفتوحة أمام كل نوع من الإشاعات؟

أزاحت “ثورة يناير” قبل أربع سنوات من الآن حسني مبارك الذي لم يكن نظامه سوى امتداد لانقلاب عسكري سمّي “ثورة الثالث والعشرين من يوليو”. أطاح الانقلاب العسكري بالنظام الملكي في العام 1952. كانت النتيجة، بعد “ثورة يناير”، أنّ النظام المصري الذي عرفناه تغيّر بعض الشيء وليس كلّيا كما يحلم الشبان الذين كانوا وراء الثورة. هناك مصر جديدة تقوم على أنقاض نظام عاش ستين سنّة، لكنّه ما زال يرفض أن يتغيّر إلى يومنا هذا.

قبل كلّ شيء، لا بدّ من الاعتراف بأنّ حسني مبارك لم يكن رجلا دمويا. كلّ ما يمكن قوله أنّه حكم مصر طوال ثلاثين عاما على طريقة الضابط الذي يرفض أن يتعلّم شيئا. لعلّ أوّل ما افتقده حسني مبارك، الذي لم يكن سوى رئيس بالصدفة، القدرة على اتخاذ القرارات الجريئة على غرار أنور السادات.

بقيت مصر هادئة ومستقرّة لفترة طويلة، إلى أن طفح الكيل أواخر العام 2010 عندما نزل المواطنون إلى الشارع وقرّروا الانتهاء من نظام على رأسه رجل مريض في الثمانينات من عمره، كان في استطاعته تقديم الكثير لبلاده لو كان يعرف ولو قليل القليل في السياسة داخليا وإقليميا ودوليا.

كان مبارك ضابطا جيدا. هذا ليس كافيا كي يكون سياسيا جيدا. تكفي أسماء أعضاء المجموعة التي أحاط نفسه بها من أجل التأكد من ذلك. كان العمل الإيجابي الوحيد الذي قام به أنّه لم يأخذ على محمل الجدّ شخصا من مستوى أقلّ من متواضع لا يليق بتراث مصر يدعى محمد حسنين هيكل. وهذا لم يكن عائدا إلى ذكائه الحاد، بمقدار ما أنّه عائد إلى حساسيات ذات طابع شخصي. أمّا بقية المسؤولين في مصر والإعلاميين العرب الذين تعاطى مبارك معهم واستقبلهم، فكانوا، في معظمهم، من أتفه التافهين، بما يدلّ على أنّه لم تكن لديه أي معرفة لا بالناس ولا بالعالم.

استفاد حسني مبارك طويلا من إرث أنور السادات. عاش على هذا الإرث. في النهاية، وُجد من يغتال أنور السادات في العام 1981 بعدما استعاد سيناء وثرواتها من الاحتلال الإسرائيلي. من المفارقات المصرية أنّه وُجد في الوقت ذاته، داخل مصر وخارجها، من يمجّد جمال عبدالناصر الذي خسر الأرض وأخذ العرب إلى كارثة حرب الأيام الستة عام 1967. أكثر من ذلك، وجد طوال ثلاثين عاما من يجد الأعذار لحسني مبارك الذي لم يعرف يوما، لا كيف يبني على ما تركه له سلفه، ولا كيف يطوّر النظام لإخراج مصر من أزماتها التي لا تحتاج إلى مجرّد مسكّنات.

ما عجز حسني مبارك عن استيعابه هو أنّه خلف أنور السادات بالصدفة، لأن السادات كان يريد إلى جانبه، في موقع نائب الرئيس، شخصا ضعيفا. كانت النتيجة أن دفعت مصر ثمن خيار السادات.

من المفارقات أيضا وأيضا، أن مبارك لم يمتلك حدّا أدنى من الثقة بالنفس كي يختار نائبا للرئيس. بقي ثلاثين عاما من دون نائب له. لم يعيّن اللواء عمر سليمان، وهو شخص يمتلك قدرات ذهنية محدودة، نائبا له إلّا بعدما وجد نفسه مجبرا على الاستقالة. كان من الضعف إلى درجة أنّه لم يستطع تحمّل شخص مثل المشير عبدالحليم أبوغزالة كان في الإمكان أن يساعده في تحمّل أعباء تطوير النظام بدل البقاء في أسر الانقلاب العسكري الذي أطاح الملك فاروق والعقد النفسية للضباط الآتين من الريف إلى المدينة بهدف ترييفها… وهذا ما حصل، لاحقا، في العراق وسوريا وليبيا والجزائر والسودان ودول أخرى في المنطقة سقطت تحت “جزمة” العسكر وجهلهم وجهالتهم.

كانت “ثورة الخامس والعشرين من يناير” ثورة حقيقية قام بها المصريون. أراد شباب مصر التخلّص من رئيس تقدّم به السنّ، كما لم يعد يعرف ماذا يريد. هل يريد توريث نجله جمال أم لا؟ خطف الإخوان المسلمون تلك الثورة التي أفضت إلى خروج حسني مبارك من السلطة. حصل ذلك بتفاهم مع المؤسسة العسكرية التي كانت تفضّل عدم محاكمته، بل الاكتفاء بإزاحته. كانت هذه المؤسسة ضدّ التوريث أيضا. لذلك حمت الثورة.

بعد أربع سنوات على الثورة المصرية، ثمة إيجابيات كثيرة. في مقدّمة هذه الإيجابيات تصحيح خطأ محاكمة حسني مبارك ونجليه. الأهمّ من ذلك كلّه أن الثورة التي حصلت في الثلاثين من حزيران ـ يونيو 2013 عرفت كيف المحافظة على مصر ومنع سقوطها في يد الإخوان. هؤلاء لا يمتلكون أي مشروع سياسي واقتصادي وحضاري للبلد باستثناء تجربة “الإمارة الإسلامية” التي أقامتها “حماس” في قطاع غزّة على الطريقة الطالبانية.

كانت الحاجة إلى ثورة أخرى هي “ثورة 30 يونيو” كي يستعيد المصريون ثورتهم الأصلية. وفي هذا السياق، يأتي إنصاف حسني مبارك خطوة أولى على الطريق الصحيح الذي يعني، إقامة نظام جديد أكثر إنسانية يتفادى، أوّل ما يتفادى، تكرار تجربة استمرّت ثلاثين عاما كان التعامل خلالها مع مشاكل مصر بشكل سطحي. كانت هناك حاجة إلى ثورة تصحّح الثورة. إنصاف مبارك مجرّد بداية، وليس نهاية، تسمح بالتساؤل هل عبدالفتّاح السيسي، وهو آت من الجيش أيضا، قادر على القول للمصريين أنّ حكمه ليس امتدادا للانقلاب العسكري الذي وقع قبل ثلاثة وستين عاما؟ هل بات في استطاعة المصريين أن يحلموا بنظام جديد ينكبّ على معالجة المشاكل العميقة التي يعاني منها البلد بشكل عصري، بدل اللجوء إلى المسكّنات أيضا وأيضا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ولادة لنظام جديد في مصر ولادة لنظام جديد في مصر



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon