ما الذي يمكن ان يسفر عنه الحوار اليمني – اليمني الذي دعا مجلس التعاون لدول الخليج العربي الى عقده في الرياض ابتداء من التاسع والعشرين من آذار – مارس الجاري؟
سيعتمد الكثير على مشاركة الحوثيين (جماعة انصار الله) في هذا الحوار. لا امل، الى الآن، في مثل هذه المشاركة في ظلّ موازين القوى القائمة على ارض اليمن. كانت مثل هذه المشاركة ستعني ان ايران مستعدة للبحث في مستقبل اليمن مع دول مجلس التعاون الست من زاوية إعادة النظر في ما تعتبره إنجازا تحقّق لها، بفضل الحوثيين، في شبه الجزيرة العربيّة. في النهاية، حولت "الجمهوريّة الاسلاميّة" جزءا من اليمن الى قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة تعمل من خلالها على ابتزاز الدول الخليجية، في مقدّمها المملكة العربيّة ودولة الامارات العربيّة المتحدة.
في غياب مفاجأة من النوع الثقيل، يبقى جانبان مهمان لمؤتمر الرياض. أولهما إعادة التركيز على اليمن ومأساته والآخر إعادة تشكيل "الشرعيّة القائمة منذ شباط – فبراير 2012. اثبتت تلك "الشرعيّة" فشلا ليس بعده فشل على كلّ صعيد، خصوصا في مجال مواجهة الحوثيين. كان لا بدّ من اخراج لعمليّة إعادة تشكيل "الشرعيّة". يمكن لمؤتمر الرياض ان يكون فرصة لا تعوّض لإعادة النظر في "شرعيّة" عاجزة لا اكثر.
استطاعت ايران في ضوء جهود استمرّت سنوات طويلة إيجاد قاعدة صواريخ ومسيّرات في شمال اليمن. كان يمكن ان يكون اليمن كلّه تحت السيطرة الايرانيّة لولا الحرب الدفاعيّة التي شنها التحالف العربي في مثل هذه الايّام من العام 2015 ردّا على الاستفزازات الحوثيّة تحت عنوان "عاصفة الحزم".
لولا تلك الحرب الدفاعيّة، لما انكفأ الحوثيون الذين يسمون انفسهم "جماعة انصار الله" عن مناطق عدّة من بينها عدن، عاصمة الجنوب وميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بمضيق باب المندب، أي بحركة الملاحة في البحر الأحمر وبحركة المرور في قناة السويس.
يمكن الخوض في جدل طويل في شأن ما حققته "عاصفة الحزم" وما لم تحقّقه وفي تفنيد أخطاء كثيرة ارتكبت، بما في ذلك الخلط في مرحلة معيّنة بين علي عبدالله صالح والحوثيين اللذين تحالفا ظاهرا، لكنّه كانت هناك خلافات كبيرة في العمق بينهما. ادّت هذه الخلافات الى اغتيال الحوثيين للرئيس السابق في الرابع من كانون الأوّل – ديسمبر 2017.
لكنّ ما لا يمكن تجاهله ان تلك الحرب كانت دفاعيّة وجاءت ردّا على الاستفزازات الحوثيّة في مرحلة ما بعد الوضع اليد الايرانيّة على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014.
مرّت سبع سنوات على "عاصفة الحزم". تبيّن ان نقطة الضعف الأولى كانت في "الشرعيّة"، في الرئيس المؤقت عبد ربّه منصور هادي ونائبه علي محسن صالح الأحمر، قريب علي عبدالله صالح. كان علي محسن صالح الشريك في السلطة طوال سنوات وذلك قبل انقلابه على الرئيس الراحل في شباط – فبراير 2011. لم تستطع هذه "الشرعيّة" تحقيق أي انتصار عسكري في ايّ مكان من اليمن وذلك منذ باشر الحوثيون زحفهم في اتجاه صنعاء، عبر محافظة عمران، صيف العام 2014.
ما حدث أخيرا، بعد تطهير قوات العمالقة محافظة شبوة من الحوثيين وتحقيق هذه القوات اختراقات في مأرب مع ما يعنيه ذلك من كسر للحصار على مدينة مأرب نفسها، يدعو الى طرح تساؤلات.
من بين هذه التساؤلات لماذا نجحت قوات العمالقة، وهي في معظمها جنوبيّة، ولماذا فشل جيش "الشرعيّة" الذي صُرفت عليه أموال طائلة تقدر بمئات ملايين الدولارات، وثمة من يقول مليارات الدولارات، كما زوّد آليات عسكرية كان ممكنا ان تساعده في مواجهة الحوثيين بدل التركيز على قوى يمنيّة أخرى، خصوصا في عدن.
ما حققته قوات العمالقة فضيحة ليس بعدها فضيحة لـ"الشرعية" اليمنية التي يتبيّن يوميّا ان لا علاقة باي نوع من الشرعيات.
يفرض الفشل المكرّر لـ"الشرعيّة" إعادة النظر في تشكيلها. ذلك هو التحدي الذي يواجه مؤتمر الرياض. ما الفائدة من رئيس مؤقت، كان مفترضا تغييره بعد عامين، أي في العام 2014، عندما لا يكون هذا الرئيس قادرا على الذهاب الى مسقط رأسه في محافظة ابين؟ ما الفائدة من جيش جرار لم يستغل أي فرصة سنحت له من اجل تغيير الواقع الذي فرضه الحوثيون على الأرض، اكان ذلك في تعز او في مأرب أو الجوف الخ...؟
هذا غيض من فيض المآخذ على "شرعيّة" لا فائدة تذكر منها، "شرعيّة" غير قادرة على ممارسة مهماتها من الأرض اليمنيّة. إنّها "شرعيّة" يسيطر عليها الاخوان المسلمون (جماعة حزب الإصلاح اليمني) تمتلك قنوات اتصال مع الحوثيين. هي تناسبهم وهم يناسبونها.
غابت المأساة اليمنيّة، وهي مأساة شعب مقهور يعاني من الفقر والجوع والمرض، عن الشاشة العربيّة والإقليمية. غابت هذه المأساة في ضوء الحرب الاوكرانيّة. ما لا يمكن ان يغيب هو الحاجة الى نقطة انطلاق تستكمل ما تحقّق عسكريا بفضل التحالف العربي منذ آذار – مارس 2015.
تبدو الحاجة، اكثر من أي وقت، الى رؤية سياسية تواكب إعادة تشكيل "الشرعيّة" سياسيا وعسكريّا. من الظلم بقاء الشعب اليمني اسير الحوثيين، الذين لا يمتلكون ما يروجون له وما يفرضونه على الارض غير الجهل والبؤس من جهة... واسير "شرعيّة" عاجزة عن توفير أي امل بكسر الحلقة المقفلة التي يدور فيها اليمن من جهة اخرى.
يدور اليمن في حلقة مقفلة منذ سنوات عدّة بعدما نفّذ الاخوان المسلمون انقلابهم على علي عبدالله صالح من دون ادراك ان الحوثيين سيتحولون الى الطرف المستفيد الاوّل والأخير من هذا الانقلاب. تحتاج هذه الحلقة المقفلة الى من يكسرها لا اكثر ولا اقلّ. نقطة الانطلاق معروفة ولا يمكن ان تكون بغير إعادة تشكيل "الشرعيّة"... مؤتمر الرياض فرصة لتحقيق هذا التغيير الذي يُفترض ان تكون له نتائجه على الارض!