توقيت القاهرة المحلي 04:20:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الهدنة اليمنيّة المهدّدة

  مصر اليوم -

الهدنة اليمنيّة المهدّدة

بقلم:خيرالله خيرالله

يبدو واضحا انّ هناك نيات حوثيّة مبيّتة تهدّد استمرار الهدنة اليمنية التي تم التوصّل اليها في سلطنة عُمان في الثاني من نيسان – ابريل الماضي. يعبّر عن هذه النيّات، التي لا تبشّر بالخير، وجود حملة حوثيّة (جماعة انصار الله) على هانس غروندبرغ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن.

في الأصل، تم الاتفاق على هدنة تستمر شهرين. هل الشهران كافيان كي يقتنع الحوثيون (جماعة انصار الله) ان ليس لديهم أي مشروع سياسي وحضاري قابل للحياة في اليمن... أم ان ايران التي تقف وراءهم وتحرّكهم ما زالت مصرّة على استخدامهم ورقة إقليمية في لعبة ابتزاز دول الخليج العربي؟

قبل وصول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى عدن حيث اجتمع بأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، على رأسهم رئيس المجلس رشاد العليمي، ذهب مسؤولون حوثيون إلى تذكير غروندبرغ بما حصل مع المبعوث الأممي السابق الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ احمد الذي تعرّض موكبه في صنعاء لإطلاق النار عليه. كان ذلك في مثل هذه الأيّام من العام 2017، بعيد وصول ولد الشيخ احمد إلى مطار صنعاء لمقابلة مسؤولين حوثيين وآخرين من مساعدي الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي كان لا يزال حيّا يرزق ومقيما في العاصمة اليمنيّة.

وقتذاك، أراد الحوثيون توجيه رسالة واضحة إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. فحوى الرسالة أنّهم غير راضين عنه من جهة وأن عليه التعامل معهم بصفة كونهم السلطة الشرعيّة في صنعاء من جهة أخرى.

في الواقع، كانت لدى الحوثيين نقطة مهمّة تصبّ في مصلحتهم وذلك عندما وقعوا "اتفاق السلم والشراكة" مع "الشرعيّة" اليمنيّة ممثّلة بالرئيس السابق عبد ربّه منصور هادي. وقّع عبدربّه الاتفاق مع الحوثيين في صنعاء، بمباركة الأمم المتحدة مباشرة بعد وضع هؤلاء يدهم على العاصمة في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. المؤسف ان توقيع "اتفاق السلم والشراكة" تمّ بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر ومباركته. ما لبث بنعمر ان خرج من موقعه ليخلفه إسماعيل ولد الشيخ احمد.

بعد فترة قصيرة من ممارسة "جماعة انصار الله" الترهيب على إسماعيل ولد الشيخ احمد، فهمت الأمم المتحدة الرسالة فاستبدلته بالبريطاني مارتن غريفيث الذي راعى الحوثيين وتعامل معهم على قدم المساواة مع "الشرعيّة". يؤكّد ذلك التوصل إلى اتفاق ستوكهولم أواخر العام 2018، وهو اتفاق استفاد الحوثيون منه إلى ابعد حدود بتكريسه لسيطرتهم على ميناء الحديدة على البحر الأحمر. كذلك، أوقف الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة أي هجوم على الميناء ذي الموقع الإستراتيجي المهمّ.

خلاصة كلّ التجارب التي مرّ فيها اليمن منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء، قبل ثماني سنوات ثمّ اغتيالهم علي عبدالله صالح بغية تصفية حسابات قديمة معه وبمجرّد محاولته في مرحلة معيّنة إيجاد توازن معهم، أنّ ليس في الإمكان التعاطي معهم بطريقة عقلانيّة. بكلام أوضح، يستحيل التفاوض مع "جماعة انصار الله" التي ليست سوى أداة إيرانيّة في ظلّ توازن القوى القائم حاليا. في النهاية، لم يقبل الحوثيون هدنة الشهرين، التي بدأت مطلع شهر رمضان، إلّا بعد سلسلة الهزائم العسكريّة التي تلقوها عن طريق قوات العمالقة التي اخرجتهم من محافظة شبوة في كانون الثاني – يناير الماضي.

منذ بدأت الهدنة والحوثيون يعيدون تنظيم صفوفهم بهدف استعادة المبادرة خصوصا أنّهم يعرفون ان قوات العمالقة، وهي في معظمها جنوبيّة، لا تنوي التوغّل في أي محافظة شمالية، بما في ذلك مأرب. اكتفت هذه القوات بفكّ الحصار عن مدينة مأرب التي كانت "جماعة انصار الله" تخطّط لاقتحامها بغية توجيه ضربة قاضية إلى "الشرعيّة" السابقة، على الرغم من قنوات التفاوض السرّية معها.

هناك الآن "شرعيّة" جديدة في اليمن، على رأسها رشاد العليمي الذي تحيط به شخصيات يمتلك معظمها وزنا في اليمن. العليمي شخص عاقل، كما أنّه رجل حوار يفهم في السياسة ويمتلك علاقات جيّدة مع معظم القوى الفاعلة على الأرض. يفترض أن يكون هناك ادراك لدى الرئيس اليمني الجديد نفسه ولدى القوى المحيطة به، اكانت يمنيّة أو اقليميّة، أن الحوثيين عبر تحذيرهم الموجّه إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وهو اقرب إلى تهديد، إنّما يستهدفون "الشرعيّة" الجديدة أوّلا وأخيرا. ليس معروفا أي طريق سيختار الحوثيون ومن خلفهم ايران. طريق الانتقال من الخدمة إلى حوار سياسي... أم طريق اعداد نفسهم لحروب عبثيّة جديدة.  

الحوثيون في طريق مسدود عسكريا وسياسيا. يدفع اليمنيون غاليا ثمن هذا الانسداد. ولكن ماذا عن "الشرعيّة" الجديدة؟ هل في استطاعتها قلب الطاولة في اليمن؟ مثل هذا التطور ممكن شرط تحقيق شرطين. اولّهما السيطرة على المناطق التي تتحكّم بها هذه "الشرعيّة" الجديدة. هذا يعني توفير الطمأنينة والأمن للناس الموجودين في هذه المناطق. أمّا الشرط الثاني، فيتمثّل في القدرة على تغيير ميزان القوى عسكريا. مثل هذا التغيير، في حال حصوله، هو اللغة الوحيدة التي تفهمها "جماعة انصار الله" التي عليها الاقتناع بأنّ الهدنة الحالية يجب ان تمهّد لحوار سياسي وليس لحرب أخرى.

هل تستطيع "الشرعيّة" الجديدة صنع فارق يؤدي إلى اقتناع الحوثيين بانّ كلفة الحرب ستكون كبيرة جدا عليهم؟

سيتوقف الكثير على ما اذا كان يمكنها احداث هذا التغيير المطلوب في ميزان القوى عسكريا. عندئذ، يمكن الكلام عن مرحلة جديدة في اليمن لا تعود فيها "جماعة انصار الله" قادرة على تهديد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بغية ابتزازه. على العكس من ذلك ستقنع الجماعة، في ظلّ تغيير حقيقي في ميزان القوى، ان في استطاعتها ان تكون جزءا من مشروع سياسي جديد لليمن، مشروع يأخذ في الاعتبار ان ثمّة حاجة إلى صيغة مختلفة للبلد تكون اقرب ما يكون من الفيديراليّة.

في كلّ الأحوال، تبدو الهدنة في اليمن مهدّدة وتبدو الحاجة اكثر من أي وقت إلى تغليب لغة العقل من منطلق انّ الحوثيين يستطيعون ان يكونوا جزءا من حلّ، لكنّهم لا يستطيعون بناء دولة خاصة بهم في الشمال اليمني عاصمتها صنعاء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهدنة اليمنيّة المهدّدة الهدنة اليمنيّة المهدّدة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon