توقيت القاهرة المحلي 20:21:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إضاءة شمعة في الظلام العراقي

  مصر اليوم -

إضاءة شمعة في الظلام العراقي

بقلم : خيرالله خيرالله

هل الرهان على تغيير العراق في محلّه؟ يطرح السؤال نفسه مجدّدا في ضوء الجولة العربية التي قام بها رئيس الوزراء حيدر العبادي والتي شملت المملكة العربية السعودية ومصر والأردن.

قبل كل شيء، من المفيد التذكير بأن من يتعاطى من العرب حاليا في موضوع العراق لا يمتلك أي أوهام من أي نوع. هناك حسابات دقيقة تأخذ في الاعتبار ما هو العراق في العام 2017 وما هي إمكانات التغيير وحدوده، خصوصا في ظلّ الهيمنة الإيرانية على البلد الذي شارك في تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945.

إذا كان ما يميّز المرحلة الراهنة في العراق، فما يميزها هو وجود هامش للمناورة لدى العبادي سمح له بزيارة الرياض والقاهرة وبغداد. لكنّ لهامش المناورة هذا حدودا ضيقة جدا أيضا. ظهر ضيق هذه الحدود عندما ردّ رئيس الوزراء العراقي على وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي دعا خلال زيارته للرياض إلى انسحاب كلّ الميليشيات الإيرانية من العراق. لم يجد العبادي ما يقوله سوى الدفاع عن “الحشد الشعبي” من منطلق أنّ مقاتليه ليسوا إيرانيين، بل عراقيون. زاد أن الحشد “مؤسسة رسمية” وأن “علينا تشجيع مقاتلي الحشد لأنهم سيكونون أملا للبلاد وللمنطقة”. أيّ أمل للعراق والمنطقة عندما تكون ميليشيات مذهبية العمود الفقري للدولة، أيّ دولة؟

كلّ ما قاله تيلرسون كان وصفا لواقع لا يمكن الرضوخ له في حال كان العراق يريد أن يستعيد بالفعل دوره على الصعيد الإقليمي وأن يكون دولة مستقلّة. اكتفى وزير الخارجية الأميركي بالقول “بالطبع، هناك ميليشيات إيرانية (في العراق). والآن، بما أن المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية شارفت على نهايتها، على تلك الميليشيات العودة إلى موطنها. على جميع المقاتلين الأجانب العودة إلى ديارهم”.

أين الخطأ في ما قاله تيلرسون؟ هل من عيب في دعوة إيران إلى الانسحاب من العراق والتوقّف عن فرض سياساتها عليه؟ هل عيب أن ترفض دولة، أيّ دولة في العالم، أن تكون مرتبطة بميليشيات مذهبية، بغض النظر عن هوية المقاتلين المنتمين إلى هذه الميليشيات؟

هناك بكل تأكيد من سيقول إن العراق بلد سيّد حرّ وأنّ من حقه أن يدعو من يريد من جيوش أجنبية إلى أرضه. مثل هذه المناورات الكلامية لا تمرّ على أحد. هناك وضع عراقي عجيب غريب يبدو العبادي عاجزا عن التخلص منه. يتمثّل هذا الوضع في أن إيران تعمل على فرض أمر واقع في العراق من منطلق أن تجربتها هي التجربة التي لا بدّ من تكريسها. إنّها تجربة “الحرس الثوري” في إيران. لا بدّ من أن يكون “الحشد الشعبي” على غرار “الحرس الثوري”. لا بدّ من أن يكون حاميا للمصالح الإيرانية في العراق والمشرف الأعلى على السياسة العراقية.

ليس العبادي العراقي الوحيد الذي يحاول التملص من إيران ومسايرتها في الوقت ذاته. تبدو مهمّة رئيس الوزراء مستحيلة في غياب تطوّر على الصعيد الإقليمي يعيد إيران إلى حجمها الطبيعي.

التقى العبادي الملك سلمان بن عبدالعزيز في البحر الميّت على هامش القمة العربية التي انعقدت في الأردن في آذار-مارس الماضي. بعد ذلك زار الرياض في حزيران-يونيو الماضي. شهدت الأشهر القليلة الماضية إعادة فتح معبر عرعر الحدودي بين العراق والمملكة، وزيارات متبادلة بين مسؤولين عراقيين ومسؤولين سعوديين. كذلك زار الرياض وأبوظبي الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر الذي ذهب حديثا إلى عمّان وقابل الملك عبدالله الثاني بعد يوم واحد على زيارة العبادي للعاصمة الأردنية.

هناك بكل بساطة أحداث تتسارع على صعيد العلاقات العراقية-العربية. هناك إيجابيات وهناك سلبيات. ليس أمام الجهة العربية سوى التشجيع على تراكم الايجابيات لعلّ وعسى تحصل معجزة وينزاح أخيرا الكابوس الإيراني عن العراق. وهو كابوس استمرّ طويلا، بل أكثر بكثير ممّا يجب.

في النهاية أي حيدر العبادي يجب أن نصدّق؟ الواضح أن الرجل صادق إلى حدّ كبير، على الرغم من أنه لا يزال أسير فكر “حزب الدعوة” الذي ينتمي إليه نوري المالكي أيضا. لو لم يكن صادقا لما بذل كلّ تلك الجهود من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين العراق ودول عربية مهمّة مثل السعودية ومصر والأردن. إنّه صادق أيضا في رغبته في المحافظة على وحدة العراق والتصدّي لـ“داعش”، علما أنّ لا تفسير لمواقفه التي جعلت الأكراد أمام خيار واحد هو الذهاب بعيدا في السعي إلى الاستقلال. تصرّف العبادي في الموضوع الكردي وكأنه لا يعرف أن مسعود البارزاني ما كان ليذهب إلى حدّ إجراء الاستفتاء الشعبي في موعده، لولا أنّه وجد نفسه أمام حكومة عراقية ترفض مبدأ الشراكة في الحكم وتصرّ على قيام دولة دينية لا يمكن للأكراد القبول بها بأيّ شكل.

هل ينجح العبادي في تغليب الإيجابيات على السلبيات، ويسهّل في الوقت ذاته على مسعود البارزاني القيام بخطوة تراجعية تنقذ ماء الوجه بالنسبة إليه، خصوصا بعد الهزيمة التي لحقت به في كركوك؟

لا شكّ أن الرجل في وضع لا يحسد عليه. لا شك أيضا أنّه لا بد من الاعتراف بأن زيارته الأخيرة للسعودية كانت خطوة جريئة وذلك في وقت تتعاطى فيه إيران مع المملكة بصفة كونها عدوّا لها.

يبقى أنّ لا خيار آخر غير خيار الرهان على العراق وعودة العراق وعلى المرجعية الشيعية في النجف التي على رأسها آية الله السيستاني الذي ليس من أتباع ولاية الفقيه. يدعم السيستاني العبادي كما أنه ليس مقتنعا بأهلية نوري المالكي كرئيس للوزراء.

هناك قوى في داخل العراق لا تزال تعمل من أجل تأكيد أن البلد صار تحت السيطرة الكاملة لإيران، وأن “الحشد الشعبي” بالنسبة إلى العراقيين مثل “الحرس الثوري” بالنسبة إلى الإيرانيين. هناك في المقابل بين العرب من لا يزال يؤمن بضرورة إضاءة شمعة في هذا الظلام العراقي وأن بلدا مثل العراق لا يمكن أن تحكمه إيران بواسطة أشخاص دخلوا إلى بغداد على دبابة أميركية وما لبثوا، فور نزولهم من الدبابة، أن بدأوا الحديث عن “المقاومة”، أي عن التصدي للوجود الأميركي.

في النهاية، لن يصحّ إلا الصحيح مهما طال الزمن ومهما ذهبت إيران في عملية التطهير ذات الطابع المذهبي التي تقوم بها في مناطق عراقية عدّة، بدءا ببغداد. الواقع يقول إنه لا يمكن في هذه الأيام سوى الرهان على العبادي، على الرغم من أن أقصى ما يستطيع الذهاب إليه هو الدفاع عن شرعية “الحشد الشعبي” ودعوته إلى الانسحاب من كركوك، في وقت كان “الحشد” يشرف على عملية تهجير ما يزيد على مئة ألف كردي من المدينة المتنازع عليها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إضاءة شمعة في الظلام العراقي إضاءة شمعة في الظلام العراقي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 23:48 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
  مصر اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 14:12 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
  مصر اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 10:00 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الفنان المصري عادل الفار داخل أحد مستشفيات القاهرة

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 08:26 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 25 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 17:22 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 07:38 2022 الخميس ,20 كانون الثاني / يناير

أشرف بن شرقي يقترب من الرحيل عن الزمالك

GMT 19:01 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كارثة في منزل رانيا فريد شوقي بسبب الأمطار

GMT 13:06 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

"Ferdinand" يُحقّق 13 مليون دولار خلال 48 ساعة

GMT 02:04 2017 الأحد ,12 شباط / فبراير

إبرام يكشف أن مسرح مصر أعطاه شهرة كبيرة

GMT 22:54 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تأجيل زفاف ابنة أميرة موناكو والمغربي جاد المالح

GMT 08:15 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29 تشرين الثاني / أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon