توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اليمن بعد عامين من ظهور الإمام..

  مصر اليوم -

اليمن بعد عامين من ظهور الإمام

بقلم خيرالله خيرالله

ما الذي يمكن أن يبقى من المشروع الحوثي بعد عامين من انطلاقته الجديدة من صنعاء؟ لن يبقى شيء يذكر في المدى الطويل لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب إلى أنهم لا يمتلكون أي برنامج سياسي أو اقتصادي. لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بإدارة دولة.

سيبقى تاريخ الحادي والعشرين من أيلول ـ سبتمبر 2014 منعطفا في التاريخ اليمني الحديث. في ذلك اليوم، قبل سنتين، استكمل الحوثيون الذين صاروا يسمّون أنفسهم “أنصار الله” السيطرة على صنعاء مؤكدين أنّهم المستفيد الأول من الصراع السياسي والعسكري الذي دار طوال سنوات بين علي عبدالله صالح من جهة والإخوان المسلمين والسلفيين وعدد لا بأس به من أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الذين كانوا زعماء حاشد، من جهة أخرى.

توّج ذلك الصراع بإعلان علي عبدالله صالح استقالته، بموجب المبادرة الخليجية، وتسليم السلطة إلى نائبه عبدربّه منصور هادي الذي أصبح في شباط ـ فبراير 2012 “رئيسا انتقاليا” لمدة سنتين صارتا، حتى الآن، أربع سنوات ونصف سنة تبدو قابلة للتمديد..

كان عبدالملك الحوثي على موعد في ذلك اليوم مع الانتقام الكبير، إذ اعتبر أن “الإمامة” عادت إلى اليمن وانتصرت على “الجمهورية” التي أعلنت في السادس والعشرين من أيلول ـ سبتمبر 1962. انتهى يومذاك عهد الإمامة، لتعود وتطلّ برأسها مجددا بعد اثنتين وخمسين سنة تحت شعار “الشرعية الثورية” التي جسدها “أنصار الله” وما سمّي “اللجان الشعبية” التي وضعت يدها على مؤسسات الدولة في العاصمة.

في الحادي والعشرين من أيلول ـ سبتمبر 2014، ظهر في اليمن إمام جديد. لم يتردد عبدالملك الحوثي في القول بعد أيام من إحكام السيطرة على صنعاء في خطاب ألقاه في عيد الأضحى “إننا في هذه المناسبة الغالية على نفوسنا جميعا، نجدّد تهنئتنا لشعبنا اليمني بانتصار ثورته المباركة في الحادي والعشرين من سبتمبر في مواجهة طغيان الفاسدين، والفضل في ذلك لله عز وجل ودماء الشهداء والجرحى”.

تطوّر المشروع الحوثي مع الوقت. يبدو الآن أنّه بدأ يأخذ حجمه الحقيقي في ظل الانسداد السياسي والعسكري في اليمن. فبعدما وجد الحوثيون أن صنعاء صارت في متناول اليد، انفتحت شهيتهم. اعتقدوا في البداية أنّه سيكون في استطاعتهم التمدد في كلّ الاتجاهات، خصوصا أن طموحهم كان في البداية محصورا في إقامة إقليم لهم وذلك انطلاقا من محافظة صعدة، على أن يمتلك هذا الإقليم ميناء بحريا هو ميناء ميدي المطلّ على البحر الأحمر والتابع لمحافظة حجة. استولوا على عمران وعلى حجة وعلى الحديدة والتفوا على تعز بعد تمكّنهم من صنعاء وبلغوا عدن وباب المندب، وهو مضيق ذو أهمية استراتيجية كبيرة.

ما الذي يمكن أن يبقى من المشروع الحوثي بعد عامين من انطلاقته الجديدة من صنعاء؟ لن يبقى شيء يذكر في المدى الطويل لسبب في غاية البساطة، ويعود هذا السبب إلى أنّهم لا يمتلكون أي برنامج سياسي أو اقتصادي. لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بإدارة دولة. لا يعرفون معنى مقوّمات الدولة، أي ألف باء السياسة. لو لم يكن الأمر كذلك، لما وجدوا أنفسهم مضطرين إلى المشاركة في السلطة مع علي عبدالله صالح المعروف بأنه رجل براغماتي أوّلا.

قبل كلّ شيء، لا تصنع أيديولوجية الحوثيين أيّ دورة اقتصادية في البلد ولا يمكن أن تكون أساسا لفتح مدرسة أو مصنع أو لأيّ حياة سياسية من أيّ نوع. لا يستطيع الحوثيون سوى إعادة اليمن سنوات طويلة إلى الخلف، أي إلى الكهوف. الأهمّ من ذلك، كشفت “عاصفة الحزم” التي قادتها المملكة العربية السعودية أنّ ليس مسموحا للحوثيين تحويل اليمن قاعدة إيرانية، كما كانوا يشتهون.

بعد عامين على ظهور الإمام مجددا في اليمن، هناك حصار تتعرّض له صنعاء، خصوصا أن مناطق قريبة منها خرجت من سيطرة الحوثيين. وهناك قسم كبير من تعز خارج عن سيطرة الحوثيين والقوات التابعة للرئيس السابق. استعادت “الشرعية” مأرب.

أكثر من ذلك، تحرّر الجنوب كلّه. تحرّرت عدن وأبين وشبوة وحضرموت ولحج. تحرّرت من نير الحوثيين كل الأراضي التي كانت تشكل في الماضي “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”. تواجه هذه الأراضي في الوقت الحاضر تحديات من نوع آخر تتمثّل في “القاعدة” وإرهابها.

صحيح أن الحوثيين وحليفهم يطلقون صواريخ باليستية في اتجاه الأراضي السعودية، لكنّ الصحيح أيضا أن لا تأثير كبيرا لهذه الصواريخ على موازين القوى القائمة على الأرض. لن تغيّر هذه الصواريخ، ذات المصدر المعروف، في موازين القوى في وقت يشتد الحصار على صنعاء يوما بعد يوم من دون أن يعني ذلك أن العاصمة يمكن أن تتحرّر غدا.

مضت سنة ونصف السنة على “عاصفة الحزم”. ما تغيّر هو الوضع على الأرض. كذلك تغيّرت طبيعة العلاقة بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح. لم يعد هناك إيمان بـ”نصر إلهي”، بمقدار ما أن المطلوب الآن الوصول إلى صيغة تفاهم بين الجانبين كرستها صيغة “المجلس السياسي الأعلى”، وهو هيئة غير قابلة للحياة.

ما الذي يمكن عمله في اليمن في حال كان مطلوبا كسر الحلقة المقفلة التي يدور فيها البلد؟ هل العودة إلى الشطرين تشكل حلا؟ بالطبع لا. كل النيات الحسنة الصادرة عن السيد علي سالم البيض الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة والذي صار نائبا لرئيس المجلس الرئاسي بعد الوحدة لا تقود إلى أيّ مكان. العودة إلى الدولتين المستقلتين لم يعد حلا. لا الجنوب يستطيع أن يكون دولة مستقلة ولا الشمال يستطيع ذلك.

ثمة حاجة إلى صيغة جديدة لليمن. السؤال ما العمل بالحوثيين المصرّين على أن يكونوا شركاء فعليين في السلطة؟ ماذا عن مستقبل علي عبدالله صالح الذي لا يزال موجودا في صنعاء وأجبر “أنصار الله” أخيرا على مشاركته في السيطرة على العاصمة، علما أن بعض أنصاره يقولون إنّه وقع في فخّ الحوثيين الذين يكرهونه ولم ينسوا الحروب الست التي خاضها معهم؟

لا أحد يمكن أن يلغي أحدا في اليمن. هذا ثابت يمني. الثابت الآخر الوحيد أن اليمن الذي عرفناه انتهى وأن الحاجة إلى مركزية موسّعة ولكن ليس على أساس الأقاليم الستة التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني.

هناك حاجة إلى تفكير جديد خلّاق في شأن كيفية مقاربة الأزمة اليمنية. فشل الحوثيون في تنفيذ مشروعهم وعادوا إلى الكهوف بعد نهب البنك المركزي بمحتوياته، فيما أظهر علي صالح أنّه لا يزال موجودا، علما أن وجوده في المدى الطويل مرتبط بقدرته على أن يكون عاملا إيجابيا وليس مجرد عامل معرقل.

في المقابل أظهرت “الشرعية” أنّها لا تمتلك رجالا قادرين على أن يكونوا قادة بالفعل لعملية إنقاذية تشمل اليمن كلّه. فالإخوان المسلمون مكروهون في كلّ مكان وجدوا فيه في اليمن، خصوصا في الشمال.

ما العمل إذن؟ لماذا لا يتفق على تنفيذ القرار الرقم 2216 الصادر عن مجلس الأمن في سياق تقسيم جديد للبلد في إطار “دولة اتحادية”؟ لماذا لا يخرج اليمن من الانقسامات الراهنة ويكون فيه تنافس على أسس جديدة داخل كلّ إقليم بعيدا عن “أنصار الله” والمؤتمر الشعبي العام والإصلاح (الإخوان) و”الحراك” المطالب بكيان جنوبي مستقل؟

لن يتجاوز اليمن أزمته إلّا في ظل صيغة جديدة وعقلية مختلفة، خصوصا أن صنعاء لم تعد العاصمة لدولة مركزية قوية بعد انتقال الصراع إلى داخل أسوارها. في غياب مثل هذه الصيغة والعقلية، سيبقى الجمود سيد الموقف. هزمت “عاصفة الحزم” المشروع الإيراني في اليمن ولكن ماذا بعد ذلك.. ماذا بعد عامين من ظهور الإمام مجددا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليمن بعد عامين من ظهور الإمام اليمن بعد عامين من ظهور الإمام



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 08:27 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

بعد تحوّل حرب غزّة.. إلى حرب "بيبي"

GMT 08:01 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

انتخابات الجزائر.. تبون في عالم خاص به!

GMT 11:14 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

لا حاجة إيرانية بعد... للاستعانة بابتسامة ظريف

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon