توقيت القاهرة المحلي 14:42:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مذكرة أستانا صيغة لتقسيم سورية

  مصر اليوم -

مذكرة أستانا صيغة لتقسيم سورية

بقلم : خيرالله خيرالله

ليس في المذكرة المتعلقة بإقامة “مناطق خفض التصعيد” التي وقعتها روسيا وإيران وتركيا في أستانا ما يبشر بالخير بالنسبة إلى مستقبل سوريا. هذا عائد أساسا إلى وجود طرفين، على الأقل، يشاركان في الحرب على الشعب السوري. يعتبر كل من هذين الطرفين نفسه “ضامنا” لخفض التصعيد في مناطق معيّنة لم تحددها بوضوح المذكرة التي صدرت عن اجتماع أستانا.

الأكيد، من متابعة مجريات الأمور، أنّ هذه المناطق تصلح أساسا لتقسيم سوريا في ظل رغبة كل طرف من الأطراف المعنية مباشرة بمستقبلها بحصول مثل هذا الأمر بإشراف النظام الذي أسسه حافظ الأسد ويديره حاليا بشار الأسد. هل من وظيفة أخرى لهذا النظام الذي أخذ على عاتقه الانتهاء من سوريا بمجرّد أنّها لم تعد “سوريا الأسد”؟.

يؤكّد مثل هذه الرغبة في إيجاد غطاء دولي لتقسيم سوريا تقديم روسيا مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو صراحة إلى تأييد المجلس لما صدر عن الاجتماع الأخير في أستانا.

مطلوب صراحة من مجلس الأمن توفير غطاء لعملية تقسيم سوريا كي تصبح هناك مناطق نفوذ لروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل… والولايات المتحدة. الأهمّ من ذلك كّلّه، مطلوب أن تكون هناك منطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا، ليست روسيا بعيدة عن مشروع إقامتها في ضوء التفاهمات القائمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

ليس سرّا أن الطرفين المشاركين مباشرة في الحرب على الشعب السوري هما إيران وروسيا، فيما الطرف الثالث وهو تركيا يعاني من تعقيدات ذات طابع داخلي وإقليمي ودولي في الوقت ذاته. هناك تحد كبير أمام الرئيس رجب طيب أردوغان الذي عليه أن يظهر أنّه لا يزال قادرا على تحقيق نتائج إيجابية على صعيد الوضع الاقتصادي التركي.

وهناك العقدة الكردية والمخاوف من قيام كيان للأكراد في الشمال السوري قد يجد له امتدادات في دول الجوار، بما في ذلك تركيا نفسها. وهناك من دون أدنى شك حال التذبذب التي تمرّ بها العلاقات التركية – الأميركية. لم تتحسّن هذه العلاقات بشكل كاف منذ خلف دونالد ترامب باراك أوباما. لا تزال هناك مخاوف تركية من العلاقة الأميركية – الكردية.

لم تفعل واشنطن شيئا حتّى الآن لتبديد هذه المخاوف التي يعكسها التقارب التركي – الروسي والزيارة الأخيرة التي قام بها أردوغان لمنتجع سوشي للقاء بوتين. ليس أمام تركيا في ظلّ هذه المعطيات سوى لعب دور في الداخل السوري، خصوصا أنّها تعتبر أن القضيّة الكردية مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها.

ثمة مجال لأخذ وردّ طويلين في ما يتعلّق بالدور الروسي في سوريا، خصوصا أن العلاقة بين موسكو ودمشق ذات تاريخ طويل مرتبط أساسا بمرحلة الحرب الباردة من جهة، ورغبة الكرملين الدائمة في القضاء على كلّ جانب حضاري في هذا البلد العربي أو ذاك من جهة أخرى. من يحتاج إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى ما جرى في ما كان يسمّى اليمن الجنوبي في مرحلة كان فيها جرما يدور في فلك موسكو…

هناك رهان روسي على إمكان استغلال الوضع السوري كي تظهر موسكو مجددا أنّها عاصمة لقوّة عظمى تمتلك حق أن تكون لديها مناطق نفوذ خارج حدودها، خصوصا في المياه الدافئة، أي في البحر المتوسّط. في أحسن الأحوال، يمكن افتراض أن روسيا تسعى إلى التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل مقايضة تكريس وجودها في شبه جزيرة القرم بتصرف مختلف في داخل سوريا. الهدف النهائي لموسكو هو الخروج من تحت سيف العقوبات الأوروبية والأميركية التي لا تريد الاعتراف بأنّها أثرت على الاقتصاد الروسي… وضمان البقاء في القرم.

أعادت روسيا سيطرتها على شبه جزيرة القرم في 2014. الأرض أرض روسية أصلا وليست أوكرانية وقد تخلّى عنها نيكيتا خروشوف عندما أصبح أمينا عاما للحزب الشيوعي السوفياتي خلفا لجوزيف ستالين في 1964. لكنّ ذلك لم يحل دون فرض عقوبات على بلد أظهر لاحقا، من خلال تعاطيه مع أوكرانيا، أنّه يحلم بالعودة إلى الماضي الإمبريالي للاتحاد السوفياتي.

يظلّ الرهان على عقلانية روسية تقوم على صفقة مع واشنطن تشمل أوكرانيا وسوريا رهانا قائما. في نهاية المطاف، تعرف روسيا حجمها وتعرف خصوصا أنّه لن تقوم يوما قيامة لاقتصادها، الهزيل أصلا، من دون رفع للعقوبات الدولية ومن دون ارتفاع لسعر النفط والغاز. وهذا لا يعتمد على الولايات المتحدة فقط، بل على دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية أيضا.

معروف أن روسيا ستساوم على رأس بشّار متى آن أوان ذلك. ما ليس معروفا ما الذي تريده إيران؟ هل تعتقد أن عملية التبادل السكّاني في سوريا تخدم أهدافها في المدى الطويل، أي تؤمن لها دور القوّة الإقليمية المهيمنة في الشرق الأوسط. من حق كل عربي، وليس الأمير محمد بن سلمان وليّ وليّ العهد السعودي، الاعتراض بقوّة ووضوح على السياسة الإيرانية. ظهرت هذه السياسية بوجهها الحقيقي، أي الوجه البشع الذي يؤمن بالاستثمار في إثارة الغرائز الطائفية في كلّ بقعة ارض استطاع “الحرس الثوري” بلوغها.

سقطت إيران في الفخّ الذي أرادت أن تنصبه للعرب. لم يعد هناك من يصدّق أن لديها مشروعا يمكن الاقتداء به. ما تشهده سوريا منذ العام 2011 كشف حقيقة الدور الإيراني الذي تعرّف إليه اللبنانيون عن كثب باكرا، أي منذ سمح حافظ الأسد لجحافل “الحرس الثوري” بدخول الأراضي اللبنانية في العام 1982 ومباشرة تنفيذ عملية مدروسة بدقة ليس بعدها دقّة بهدف تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان، فضلا عن تغيير التركيبة السكّانية لبيروت ومناطق أخرى. وهذا ما بدأ يتبلور منذ يوم السادس من شباط – فبراير 1984، عندما خرجت الدولة اللبنانية ومؤسساتها من بيروت الغربية ذات الأكثرية المسلمة.

تؤسس مذكرة أستانا التي وقّعتها روسيا وإيران وتركيا لتقسيم سوريا. لكلّ دولة من الدول الثلاث أجندتها. هناك أجندة إسرائيلية بالطبع، تظلّ الأجندة الإيرانية هي الأخطر نظرا إلى أنّها تقوم على تبادل سكاني من منطلق مذهبي. ففي الوقت الذي كان يجري الترويج لمشروع القرار الروسي في أروقة مجلس الأمن، كانت تتم عملية تهجير لبعض أهالي دمشق المقيمين في حيّ برزة.

تعتبر عملية التهجير هذه مؤشرا في غاية الخطورة وذلك ليس نظرا إلى أنّها تأتي في سياق عمليات مماثلة أخرى سبقتها فحسب، بل لأنّها تشير إلى نيّة في الذهاب إلى النهاية في مشروع تطويق دمشق وربط منطقة سورية معيّنة بالأراضي اللبنانية أيضا. والمقصود هنا الأراضي اللبنانية التي تحت السيطرة المباشرة لإيران عن طريق ميليشيا “حزب الله” التابعة لها.

هل تبتلع الولايات المتحدة طعما اسمه مذكرة أستانا التي تضع الأسس لصيغة تنتهي بتقسيم سوريا لمصلحة إيران وروسيا وتركيا؟

أيّام قليلة ويظهر ما إذا كانت إدارة دونالد ترامب حذقة بما فيه الكفاية لتفادي السير إلى النهاية في مشروع يخدم كثيرين، على رأسهم إيران، لكنّه يعني قبل كلّ شيء التفتيت الكامل لسوريا التي عرفناها.

صحيفة : العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مذكرة أستانا صيغة لتقسيم سورية مذكرة أستانا صيغة لتقسيم سورية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 09:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
  مصر اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ حماس

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon