توقيت القاهرة المحلي 06:45:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ملك عصري يستضيف رئيسًا عصريًا

  مصر اليوم -

ملك عصري يستضيف رئيسًا عصريًا

بقلم : خيرالله خيرالله

لم تكن الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط زيارة عادية. قبل كلّ شيء اختار ماكرون، كما فعل جاك شيراك عند توليه الرئاسة في العام 1995 المجيء إلى المملكة المغربية كمحطة أولى في زياراته المرتقبة لدول شمال أفريقيا. كان جاك شيراك سياسيا فرنسيا وأوروبيا يمتلك بعد نظر. هكذا يبدو أيضا إيمانويل ماكرون الذي هو في طور إعادة الحياة إلى فرنسا وسياستها الأفريقية معتمدا البوابة المغربية.

حظي الرئيس الفرنسي الجديد الذي مضى شهر فقط على دخوله قصر الإليزيه باستقبال استثنائي في الرباط وذلك خلال الزيارة “الخاصة” التي لم تستغرق أكثر من ثمانية وأربعين ساعة. كان خلف الملك محمّد السادس في مطار الرباط – سلا عدد من أفراد العائلة، بينهم وليّ العهد الأمير الحسن بن محمد وشقيقه الأمير رشيد. كان كل شيء يدل على مدى تقدير المغرب لاختيار ماكرون زيارة المملكة قبل أي بلد آخر خارج أوروبا.

المهمّ في نهاية المطاف هو النتائج التي أسفرت عنها وستسفر عنها الزيارة. ما يمكن قوله أنّ الرئيس الفرنسي ما كان ليفتتح زياراته غير الأوروبية بالذهاب إلى المغرب لولا وجود قناعة قويّة لديه بضرورة تكريس وجود شراكة إستراتيجية بين البلدين بعيدا عن أيّ نوع من العقد التي غالبا ما تحكمت بالرؤساء الاشتراكيين مثل فرنسوا هولاند.

شاء ماكرون وهو رئيس عصري على تماس مع ما يدور في أوروبا والعالم وفي محيط أوروبا، بما في ذلك الضفة الأخرى من المتوسط، تأكيد أنّ البوابة المغربية ممر لا بدّ منه لأفريقيا. بات على كلّ أوروبي عبور هذا الممرّ في ضوء الجهود الجبارة التي بذلها محمّد السادس من أجل إقامة علاقات من نوع جديد تقوم على المصالح المشتركة بين المغرب والدول الأفريقية. توّجت هذه الجهود بعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، أو بعودة الاتحاد الأفريقي إلى المغرب، وذلك في ظلّ قناعات مشتركة تبلورت من خلال الجولات الكثيرة التي قام بها العاهل المغربي، وهي جولات شملت بلدانا أفريقية عدة في أنحاء مختلفة من القارة السمراء وأوصلته إلى مكان بعيد مثل جزيرة مدغشقر.

هناك وعي فرنسي بوجود حال استقرار في المغرب. سمحت هذه الحال المغربية ببلورة سياسة واعية في أفريقيا تستند إلى الاستثمار في التنمية عبر مشاريع مشتركة تخدم قيام نوع جديد من العلاقات وأسس للتعاون بين دول القارة. يحصل ذلك بعيدا عن الأفكار الاستعمارية التي تحكّمت في الماضي بالعلاقة بين الدول الأفريقية والقوى الأوروبية. ما قام به المغرب يتمثل في بناء علاقات بين دول أفريقية تخدم المواطن الأفريقي. لعل أفضل مثل على ذلك حرص المغرب على إقامة مستشفيات في البلدان الأفريقية الفقيرة وعلى إقامة مصانع تستخدم الفوسفات المغربي لإنتاج أسمدة زراعية، كما الحال مع أثيوبيا التي زارها محمد السادس في تشرين الثاني ـ نوفمبر الماضي.

هذا غيض من فيض ما قام به المغرب من جهود في أفريقيا وفي منطقة الساحل من أجل قيام نوع مختلف من العلاقات والتعاون بين الدول الأفريقية، بعيدا عن الشعارات الفارغة والمزايدات التي لا معنى لها التي رفعها طويلا أولئك الذين أرادوا المتاجرة بأفريقيا والأفارقة.

إلى جانب ذلك كلّه، جاءت زيارة ماكرون للرباط كي تعكس مدى الاهتمام الفرنسي بالتجربة المغربية في مجال الحرب على الإرهاب والتطرّف، بما في ذلك نشر الإسلام المعتدل وإقامة مؤسسات هدفها تخريج أئمة وخطباء جوامع أفارقة يعرفون ما هو الإسلام الحقيقي كدين قائم على التسامح والاعتراف بالآخر.

لعب المغرب دورا محوريا في الحرب على الإرهاب في طول الساحل الصحراوي. صحيح أنه كان يحمي نفسه من أخطار التطرّف ومن مجموعات على علاقة بكلّ ما هو مرتبط بإثارة القلاقل والتهريب، مثل جبهة “بوليساريو”، الأداة الجزائرية المعروفة، لكن الصحيح أيضا أنه كان يستثمر في الوقت ذاته في تنمية القارة الأفريقية.

هناك رأي معروف للعاهل المغربي بأن الحرب على الفقر جزء لا يتجزأ من الحرب على الإرهاب والتطرّف. هناك اعتراف مغربي بوجود ترابط بين الدول الأفريقية وبأنّ أي تطور في أي بلد أفريقي تكون لديه انعكاسات إيجابية على البلدان الأخرى في محيط هذا البلد.

كانت حصيلة زيارة ماكرون للرباط اعتراف فرنسي بأن التجربة المغربية تستأهل التوقف عندها. هذا لا يعني أن المغرب لا يواجه مشاكل. على العكس من ذلك، هناك مشاكل داخلية في المغرب. يكمن الفارق بين المغرب وغيره في أن الحديث عن هذه المشاكل لا يدور في الكواليس، بل هو حديث علني. لذلك تطرّق الرئيس الفرنسي في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد محادثاته مع محمد السادس إلى ما يجري في منطقة الريف المغربي، في الحسيمة تحديدا، مشيرا إلى أنّه بحث في الموضوع مع العاهل المغربي.

ليس سرّا أن هناك اضطرابات حصلت في تلك المنطقة وأن محاولات جرت لاستغلالها. سيتبيّن يوما بوضوح ما إذا كانت هناك أياد جزائرية متورطة في إثارة المشاكل في منطقة الريف. هناك تقصير حكومي وهناك تقصير من الأحزاب المغربية التي لم تتحرك في الوقت المناسب لوضع الأمور في نصابها.

ما اكتشفه ماكرون أن المغرب بلد طبيعي يمر بتجربة خاصة به، خصوصا منذ إقرار دستور العام 2011 في استفتاء شعبي. الأهم من ذلك أنه واحة استقرار في شمال أفريقيا، وأنه تحول مع الوقت إلى جسر يربط بين أوروبا وأفريقيا. لا مجال للعودة عن الإصلاحات في المغرب. على العكس من ذلك، هناك نيّة في دفعها إلى أمام وجعلها تشمل كل القطاعات، بما في ذلك التعليم الذي هو في أساس تطوّر المجتمعات.

لا يتردد الملك محمّد السادس في تنبيه المغاربة إلى أهمّية اللغات الأجنبية وإتقانها من أجل متابعة البحث العلمي. في كل مرة يحل “عيد العرش” آخر تموز – يوليو من كل سنة، هناك أوسمة خاصة يمنحها الملك إلى مواطنين متميزين، بمن في ذلك علماء كبار برعوا في مجال عملهم في داخل المملكة أو خارجها أو طلاب حصلوا على شهادتهم الثانوية بتفوق.

يبدو رهان فرنسا على المغرب في عهد إيمانويل ماكرون رهانا في محله. الأمل كبير في أن يساعد الرئيس الفرنسي الجديد في تخليص آخرين من عقدة المغرب ومن رهانات خاطئة على افتعال مشاكل فيه.

يتمثل كل ما يفعله المغرب، الذي يعي تماما طبيعة المشاكل التي يواجهها ولا يخجل من الاعتراف بوجودها، في أنّه يستثمر في الخير والتنمية والاعتدال، وليس في البحث عن أدوار تفوق حجمه من أجل ادعاء بطولات وهمية من خارج هذا الزمن.

جاء رئيس عصري إلى الرباط للاستفادة من تجربة لملك عصري عرف كيف ينقل بلده إلى القرن الواحد والعشرين في ظروف إقليمية وعالمية أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها في غاية التعقيد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملك عصري يستضيف رئيسًا عصريًا ملك عصري يستضيف رئيسًا عصريًا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا
  مصر اليوم - نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 21:40 2019 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

هزة أرضية بقوة 6.5 درجات تضرب إندونيسيا

GMT 02:54 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

خبراء يكشفون عن مخاطر تناول العجين الخام قبل خبزه

GMT 23:10 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

نادي برشلونة يتحرك لضم موهبة "بالميراس"

GMT 07:26 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

حسابات التصميم الداخلي الأفضل لعام 2019 عبر "إنستغرام"

GMT 06:56 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

أب يُصاب بالصدمة بعدما استيقظ ووجد ابنه متوفيًا بين ذراعيه

GMT 11:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تشيزني يبيًن ما دار مع رونالدو قبل ركلة الجزاء هيغواين

GMT 09:16 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

زوجة المتهم بقتل طفليه "محمد وريان" في المنصورة تؤكد برائته

GMT 17:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

فستان ياسمين صبري يضع منى الشاذلي في موقف محرج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon