توقيت القاهرة المحلي 21:08:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مقتدى الصدر في السعودية.. يظل حدثا

  مصر اليوم -

مقتدى الصدر في السعودية يظل حدثا

بقلم : خيرالله خيرالله

بكل مقياس من المقاييس، كانت زيارة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر للمملكة العربية السعودية في غاية الأهمّية، خصوصا أنه التقى نائب الملك وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في جدة، على الرغم من أن مقتدى لا يشغل منصبا رسميا.

لا شك أن الخطوة السعودية المتمثلة في استقبال مقتدى الصدر في غاية الذكاء، إضافة إلى أن توقيتها كان مناسبا، على الرغم من أن ثمّة من يعتبر أنها تأخرت كثيرا. وهذا قول يمكن أن يكون مثار أخذ وردّ طويلين إذا أخذنا في الاعتبار أنه سبق للسعودية أن أرسلت إلى بغداد سفيرا، هو ثامر السبهان، ما لبث أن تعرّض لحملة قوية رافقتها تهديدات أدت إلى سحبه. ولكن ما يبقى ثابتا قبل كل شيء أن لا عداء سعوديا للعراق والعراقيين، بغض النظر عن الطائفة والمذهب والمنطقة والقومية. إضافة إلى ذلك، هناك تململ عراقي، ليس معروفا بعد إلى أيّ حدّ سيبلغ مداه، من الوجود الإيراني الضاغط ومن الأحزاب المذهبية التي رعتها وما زالت طهران ترعاها من أجل تكريس واقع جديد لا عودة عنه في العراق تحت لافتة “الحشد الشعبي”. يمثّل “الحشد” في الواقع امتدادا لـ“الحرس الثوري” الإيراني في الأرض العراقية لا أكثر.

كان لا بد من خطوة سعودية جديدة لتأكيد المؤكد لجهة أنّ المملكة منفتحة على كل ما من شأنه تطوير العلاقات السعودية- العراقية في وقت تمرّ فيه المنطقة بمرحلة في غاية الدقّة. في أساس هذه المرحلة التي تصب في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، بما في ذلك منطقة الخليج، الزلزال العراقي الذي بدأ في العام 2003 والذي لا تزال المنطقة كلّها تعيش في ظلّ تداعياته.

سارعت إيران في 2003 إلى وضع يدها على العراق. حصل انكفاء عربي عن هذا البلد الأساسي، بل المحوري، خصوصا أن إدارة جورج بوش الابن خاضت الحرب الهادفة إلى إسقاط نظام صدام حسين بمشاركة إيرانية واضحة. الأهم من ذلك كله، أن إيران لم تكتف بالحلول مكان الاحتلال الأميركي بعدما عملت على إزاحته، بل ساهمت بشكل مباشر في اختراق كل المؤسسات العراقية أو تدميرها من جهة، وتغيير طبيعة العراق ومدنه، بدءا بالبصرة القريبة منها، من جهة أخرى.

يمثّل مقتدى الصدر حالة عراقية لا يمكن الاستهانة بها، بغض النظر عن مزاجيته والشكوك في مدى قدرته على الذهاب بعيدا في السير في خط مستقلّ عن إيران. لكنّ ما لا يمكن الاستخفاف به أنّه يمتلك قدرة على تجييش قسم لا بأس به من العراقيين وتعبئتهم ليس من زاوية شيعية فحسب، بل من زاوية عربية أيضا. هل يمكن الرهان على مقتدى الصدر، أم أن مثل هذا الرهان يفترض أن يكون على مسائل أخرى في الوقت ذاته؟

ما يطرح هذه المسائل التي قد يجوز الرهان عليها الصعوبات التي تواجه المشروع الإيراني في العراق. قام هذا المشروع على إلحاق العراق بإيران بموافقة أميركية. كان أبرز تعبير عن هذه الموافقة مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في لندن في كانون الأول- ديسمبر من العام 2002، أي قبل أربعة أشهر من بدء الحملة العسكرية على العراق. لولا إيران، لم يكن في الإمكان عقد هذا المؤتمر، الذي أشرف عليه مسؤولون اميركيون وقتذاك. كان هناك الضوء الأخضر الإيراني لانعقاد المؤتمر. قبضت إيران سلفا ثمن الضوء الأخضر إذ سمحت بمشاركة فصائل شيعية فيه. صدر عن المؤتمر بيان يشير إلى “الأكثرية الشيعية” في العراق. حصلت ترجمة عملية لهذه العبارة لاحقا حين حل المفوض السامي الأميركي بول بريمر الجيش العراقي، وحين تشكّل “مجلس الحكم الانتقالي” الذي كرّس تهميش السنّة العرب في العراق.

يكاد يمر خمسة عشر عاما على مؤتمر لندن. الثابت الوحيد أن العراق لن تقوم له قيامة. كان العراق مفيدا جدا لإيران وخشبة خلاص لاقتصادها في مرحلة ارتفاع أسعار النفط. استطاعت إيران الاستفادة إلى أبعد حدود من موارد العراق ومن مليارات الدولارات التي جناها البلد في مرحلة كان فيها سعر برميل النفط يزيد على مئة دولار.

لعلّ أهمّ ما فعلته إيران في العراق منذ 2003 لا يتمثل في القضاء على المدن، بدءا بالبصرة وانتهاء بالموصل، مرورا ببغداد طبعا. يظل أهم ما فعلته هو التخلص من الوجود الأميركي، بعدما استسلم لها باراك أوباما من جهة، وخلق قوى تابعة لها مباشرة مثل ميليشيات “الحشد الشعبي” من جهة أخرى. هذا النموذج، الذي اسمه “الحشد الشعبي” هو ذلك المطلوب تعميمه في المنطقة كلها، في العراق وسوريا ولبنان واليمن وحيث أمكن…

تدخل السعودية على العراق من بوابة مقتدى الصدر ولكن من دون تجاهل الأبواب والمسائل الأخرى التي يمكن الرهان عليها أيضا، من نوع فشل المشروع الإيراني الذي ليس لديه ما يقدّمه للعراق باستثناء نشر البؤس والتخلّف والميليشيات المذهبية التي كان تدمير الموصل آخر إنجازاتها.

سيبقى في نهاية المطاف سؤال محيّر، يترافق بالطبع مع أسئلة أخرى، من نوع هل من أفق للمشروع الإيراني في العراق، بل في داخل إيران نفسها؟

هذا السؤال المحير مرتبط بإدارة دونالد ترامب وموقفها الفعلي من إيران. إلى أي حد ستكون هذه الإدارة واعية بالدور الذي تلعبه إيران انطلاقا من العراق في نشر كل أنواع الفوضى في المنطقة وفي كل اتجاه من الاتجاهات. ليس ما يشير، إلى الآن، إلى استيعاب أميركي في العمق للدور التخريبي الذي تلعبه إيران وذلك على الرغم من كلّ التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في إدارة ترامب. ولكن هل يعني ذلك الاستسلام العربي لإيران في العراق؟

من هذا المنطلق، كان استقبال محمد بن سلمان لمقتدى الصدر حدثا بحد ذاته. أعطى الاستقبال بعدا جديدا للسياسة السعودية في المنطقة. مثلما أن إيران تستطيع اللعب في اليمن من أجل مضايقة السعودية وكلّ دولة من دول الخليج العربي، تستطيع السعودية البحث عن حلفاء طبيعيين في العراق. تفعل ذلك كي تثبت أن قرار تحويل العراق مستعمرة إيرانية وجرما يدور في الفلك الإيراني ليس قدرا، على الرغم من كل ما قام به جورج بوش الابن. تكمن مصيبة جورج بوش الابن وإدارته في إهمال البعد الإيراني للمسألة العراقية وحصر الهمّ الأميركي بالتخلص من صدّام حسين ونظامه البائس الذي بدأ بعض العراقيين يترحمون عليه حاليا.

أيا تكن نتيجة استقبال السعودية لمقتدى الصدر، يظلّ أن العراق يبدو مقبلا على أحداث كبيرة، خصوصا أن ليس ما يشير إلى أن الأكراد الذين وُعدوا بـ“الفدرالية” في مؤتمر لندن للعام 2002، مثلما وُعد الشيعة بالهيمنة على العراق، على استعداد للتراجع. بل إنّهم مصرون اكثر من أي وقت على الذهاب إلى أبعد في ضوء الحلف القوي مع الولايات المتحدة واليأس من إصلاح أي شيء في النظام الذي أنشأته إيران في العراق بفضل أشخاص عادوا إلى بغداد على دبّابة أميركية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقتدى الصدر في السعودية يظل حدثا مقتدى الصدر في السعودية يظل حدثا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:57 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

GMT 02:39 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رانيا محمود ياسين توضح قطع علاقتها بالبرامج التليفزيونية

GMT 09:28 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

المصري يعلن انتقال أحمد جمعة إلى إنبي

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي سمير غانم تكشف عن خلاف حاد مع زوجها تحول إلى نوبة ضحك

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أصابع الجبنة بالثوم

GMT 11:17 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يتخذ أولى خطوات الرحيل عن ليفربول

GMT 02:40 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تفاصيل إصابة ابن ماما سناء بفيروس "كورونا"

GMT 01:56 2020 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

طريقة عمل البوريك التركي بأقل التكاليف

GMT 21:12 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

إليسا تروج لحفلها اليوم في بث مباشر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon