توقيت القاهرة المحلي 21:08:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان وتجاوز الفخ الإيراني

  مصر اليوم -

لبنان وتجاوز الفخ الإيراني

بقلم : خيرالله خيرالله

هل سقط لبنان نهائيا في الفخّ الذي نصبه له “حزب الله”، ومن خلفه إيران؟ يطرح السؤال نفسه بجدّية عندما يجد المواطن العادي نفسه أمام ظاهرة لا سابقة لها في البلد تتمثّل في تمجيد ما قام به مقاتلو الحزب، الذين يشكلون ميليشيا مذهبية، في جرود عرسال. لعلّ أخطر ما في الأمر أن هناك بين اللبنانيين، من المسيحيين خصوصا، من يعتقد أن “حزب الله” يخوض حربا على الإرهاب، وأنه يحمي المسيحيين، في حين أنه موجود في سوريا من منطلق ارتباطه بالاستراتيجية الإيرانية ولا شيء آخر غير ذلك.

مرة أخرى، من المناسب تذكير اللبنانيين بما هو “حزب الله” وطبيعة تكوينه ودوره في تغيير طبيعة قسم كبير من أبناء المجتمع الشيعي في البلد، بما في ذلك تغيير أسلوب حياة هؤلاء وطريقة تعاطيهم في ما بينهم ومع اللبنانيين الآخرين. هل كان تمييز بين السنّي والشيعي في لبنان قبل صعود نجم “حزب الله” وقبل دخوله في مواجهات مع أهل بيروت.

لا حاجة إلى التذكير في أي وقت أن “حزب الله” استهدف التغلغل في بيروت. اعتمد في البداية الحلول مكان المسيحيين في بيروت الغربية التي كانت فيها دائما أحياء مختلطة في المصيطبه والمزرعة والوتوات وزقاق البلاط والخندق الغميق ورأس بيروت، على سبيل المثال وليس الحصر. لم يترك فجوة إلا وتسلل الحزب منها كي يصبح له وجود طاغ في بيروت السنّية، وذلك تمهيدا ليوم مثل يوم السابع من أيار- مايو 2008، حين شنّ غزوة بيروت التي ترافقت أيضا مع غزوة الجبل، مع تركيز خاص على الدروز.

منذ اليوم الأول الذي ظهر فيه “حزب الله”، كانت هناك مواجهة بينه وبين الدولة اللبنانية، بل بينه وبين لبنان وفكرة لبنان تحديدا. ليس سرّا أن الحزب عمل كل شيء من أجل تقليص حجم حركة “أمل” وتحويلها إلى ما هي عليه الآن. تبقى معارك إقليم التفّاح خير شاهد على ذلك. ليس سرّا أيضا أن الحزب كان في مواجهة دائمة مع الجيش اللبناني. ليس ما يدعو إلى تكرار ما يذكره ضباط في الجيش عن طبيعة هذه المواجهة وعدد ضحاياها، وصولا إلى اغتيال الضابط الطيّار سامر حنا في العام 2008 بحجة أنّه حلق بطائرته في منطقة لبنانية محظورة على الجيش اللبناني!

هذا غيض من فيض ممارسات “حزب الله” وما قام به وما زال يقوم به. ولكن يبقى الأهمّ من ذلك كلّه أن الحزب عمل دائما على تقويض مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى عزل لبنان عن محيطه العربي. لا ينفع كلام السيّد حسن نصرالله، الأمين العام للحزب، عن الكويت وعن حرص الحزب ومن خلفه إيران، على هذا البلد العربي الخليجي. يظل “حزب الله” متورطا إلى ما فوق أذنيه في لعبة إيرانية تقوم على إثارة الغرائز المذهبية وتشجيع الشيعة الخليجيين على أن يكونوا مختلفين عن المجتمعات التي يعيشون فيها.

من حسن الحظ أن في الكويت أميرا حكيما وعاقلا هو الشيخ صُباح الأحمد لا يفرق بين مواطن وآخر ويعتبر الكويت لكل الكويتيين. أمّا السبب الذي يدعو “حزب الله” إلى الإشادة بالشيخ صُباح وإلى التبرّؤ من دوره في ما يسمى “خلية العبدلي”، فهو عائد إلى الرغبة في استغلال الخلافات الخليجية – الخليجية القائمة حاليا إلى أبعد حدود. الأكيد أن مناورات “حزب الله” لن تمرّ على الكويتيين الذين يعرفون من حاول اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد في منتصف ثمانينات القرن الماضي.

من ضرب مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى، إلى اغتيال رفيق الحريري ورفاقه ومحاولة اغتيال مروان حماده قبل ذلك بأربعة أشهر ونصف شهر، ثمّ الاغتيالات الأخرى، تتضح المهمة التي يقوم بها “حزب لله” وسلاحه غير الشرعي الذي ورث السلاح الفلسطيني بعد العام 1982.

ليس ما يدعو إلى السقوط مرّة أخرى في لعبة تبسيط الأمور وإطلاق شعارات من نوع أنّه لولا “حزب الله”، لكان “داعش” في جونيه. لم يحم “حزب الله” المسيحيين يوما. لو كان المسيحيون بخير، لما كان رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون، أقام في الرابية الواقعة في المتن في السنوات التي تلت عودته إلى لبنان من منفاه الفرنسي في العام 2005. كان طبيعيا أن يقيم ميشال عون في حارة حريك التي هي مسقط رأسه. هل يسأل المسيحيون اللبنانيون المتحمسون لـ“حزب الله” أنفسهم في لحظة يستعيدون فيها بعض الوعي، لماذا كان ميشال عون من سكان الرابية وليس من المقيمين في حارة حريك القريبة من بيروت قبل انتخابه رئيسا في تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي؟

بدل الدخول في لعبة حدّد “حزب الله” ومن يقف خلفه شروطها ومواصفاتها، من المفيد للبنانيين عدم الاكتفاء بالعودة إلى تاريخ الحزب وما قام به، خصوصا عندما افتعل حرب تموز – يوليو من العام 2006 لتغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري التي كانت كارثة على لبنان واللبنانيين.

في المقابل، يفترض باللبنانيين، خصوصا بالمسيحيين منهم، السعي إلى فهم معنى تورط الحزب في حرب على الشعب السوري خدمة لإيران. من أخطر ما أسفر عنه هذا التورّط إلغاء الحدود المعترف بها دوليا بين دولتين مستقلتين هما لبنان وسوريا. الصحيح أنّ “حزب الله” تجاوز ما يسمّى خط الحدود الذي رفض النظام السوري تثبيته يوما بسبب أطماعه في لبنان، وقرر تكريس أمر واقع. يتمثل هذا الأمر الواقع في ربط أراض سورية معينة بأراض تقع تحت السيطرة المباشرة لـ“حزب الله” في لبنان من منطلق مذهبي بحت. هناك سابقة في غاية الخطورة تعمل إيران على تعميمها وصولا إلى تحقيق ما يسميه المسؤولون فيها “البدر الشيعي”. تتمثل هذه السابقة في جعل الرابط المذهبي يتجاوز كل ما عداه في المنطقة، بما في ذلك الحدود المعترف بها دوليا بين الدول.

ليس معروفا أين مصلحة لبنان في دخول لعبة من هذا النوع في وقت يعاد فيه تشكيل المنطقة وفي وقت لم تحدّد الإدارة الأميركية بعد سياستها السورية، على الرغم من مضي سبعة أشهر وأكثر على دخول دونالد ترامب البيت الأبيض.

يواجه لبنان في هذه المرحلة مخاطر عدّة. يمرّ البلد بسبب الظروف الإقليمية وبسبب سعي إيران إلى عزله عن محيطه العربي، خصوصا الخليجي، وتوريطه في سياسات لا علاقة له بها، بمرحلة في غاية التعقيد. لذلك، من الضروري أكثر من أي وقت التنبه إلى المخاطر. يبدأ ذلك بعدم الاستخفاف بتجاوز “حزب الله” الدولة اللبنانية وتنصيب نفسه حاميا لتلك الدولة وللمسيحيين اللبنانيين.

ارتكب المسيحيون في العام 1969 جريمة القبول باتفاق القاهرة. كان في استطاعتهم، عبر زعمائهم ونوابهم، تسجيل موقف اعتراضي على الأقلّ. ما يمرّ به البلد حاليا أشد خطورة من مرحلة ما قبل اتفاق القاهرة. هناك فخّ إيراني ينصب للبنان. وحده الموقف الواضح من السلاح غير الشرعي الذي تحمله ميليشيا مذهبية معروف لمن هو ولاؤها يمكن أن يكون نقطة بداية لاستعادة بعض الوعي والتنبّه لما يدور في المنطقة وما هو المحكّ فعلا. على المحكّ مستقبل لبنان، كدولة مستقلّة، واللبنانيين بكلّ بساطة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان وتجاوز الفخ الإيراني لبنان وتجاوز الفخ الإيراني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:57 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

GMT 02:39 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رانيا محمود ياسين توضح قطع علاقتها بالبرامج التليفزيونية

GMT 09:28 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

المصري يعلن انتقال أحمد جمعة إلى إنبي

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي سمير غانم تكشف عن خلاف حاد مع زوجها تحول إلى نوبة ضحك

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أصابع الجبنة بالثوم

GMT 11:17 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يتخذ أولى خطوات الرحيل عن ليفربول

GMT 02:40 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تفاصيل إصابة ابن ماما سناء بفيروس "كورونا"

GMT 01:56 2020 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

طريقة عمل البوريك التركي بأقل التكاليف

GMT 21:12 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

إليسا تروج لحفلها اليوم في بث مباشر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon