توقيت القاهرة المحلي 20:29:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تراجع المشروع التوسعي الإيراني

  مصر اليوم -

تراجع المشروع التوسعي الإيراني

بقلم : خيرالله خيرالله

خلافا للاعتقاد السائد لدى بعض الناس، وهو اعتقاد فحواه أن إيران انتصرت في سوريا، هناك واقع آخر على الأرض يتمثّل في أن إيران ساهمت في تدمير سوريا، وليس في إعادة الحياة إليها. إنها جزء من مشروع تفتيت سوريا ولا شيء آخر غير ذلك.

يشير الواقع على الأرض إلى أن أزمة إيران تتجاوز سوريا. إنها أزمة تراجع المشروع التوسّعي الإيراني الذي يسعى حاليا إلى استغلال الاستفتاء الذي أُجري في كردستان العراق لتحقيق انطلاقة جديدة له. كلّ ما في الأمر أن إيران تراهن على هذا الاستفتاء من أجل تبرير عودتها القوية إلى الإمساك أكثر بالعراق حيث لديها قاعدة ثابتة هي الميليشيات المذهبية المنضوية تحت شعار “الحشد الشعبي”.

هذه الميليشيات التي أرادت إيران تحويلها إلى مستقبل المنطقة، ومستقبل كلّ دولة عربية، صارت لعبة مكشوفة على الرغم من إضفاء حكومة حيدر العبادي صفة شرعية عليها. كانت الحكومة العراقية التي تعاني من الضغوط الإيرانية في وضع “مكره أخاك لا بطل” عندما قبلت بشرعنة مجلس النوّاب لـ“الحشد الشعبي” بحجة أنه وسيلة من وسائل مواجهة تنظيم “داعش”.

لم يكن تنظيم “داعش” الإرهابي في أيّ وقت سوى أداة من أدوات الأجهزة الإيرانية والسورية. استُخدم “داعش” من أجل تحقيق هدفين. الأوّل إظهار النظام السوري في مظهر من يحارب الإرهاب، علما أنه جزء لا يتجزّأ منه، والآخر إيجاد وظيفة لـ“الحشد الشعبي” كبديل من القوات النظامية العراقية، خصوصا الجيش العراقي. هذا ما يفسّر تقديم حكومة نوري المالكي، الذي كان تحت السيطرة الإيرانية كليا، مدينة الموصل على صحن من فضة إلى “داعش” في حزيران – يونيو 2014. حصل ذلك تماما كما قدّمت أميركا العراق إلى إيران هديّة في ربيع العام 2003، معطية إشارة عودة الحياة إلى المشروع التوسّعي الإيراني الذي يسعى حاليا إلى تجديد شبابه معتمدا على الاستفتاء الكردي وتفاعلاته في البلدان المجاورة للعراق.

ليس لدى إيران من نموذج تقدّمه للدول التي تطمح إلى جعلها تدور في فلكها سوى “الحرس الثوري” الذي تحوّل إلى بديل من الجيش الإيراني الذي لم يثق النظام به يوما وذلك منذ سقوط الشاه في العام 1979. من بين الأخطاء الضخمة التي ارتكبها صدّام حسين حين دخل في مواجهة شاملة مع إيران في العام 1980 توفيره فرصة للنظام الجديد الذي أسّسه آية الله الخميني من أجل إرسال الجيش إلى الجبهات وإبعاده عن المدن. كان الخميني يخشى الجيش، وقد وجد في الحرب التي شنها صدام والتي فعلت إيران كل شيء من أجل جرّه إليها، فرصة لا تفوت من أجل التخلص من الجيش وإحلال “الحرس الثوري” مكانه. كان الجيش يشكّل تهديدا للنظام الجديد، فيما “الحرس الثوري” أداة من أدوات هذا النظام، بل تعبير عن طموحاته التي تتلخّص بالإمساك بالسلطة و“تصدير الثورة”.

تعتبر كل الميليشيات التي أقامتها إيران في المنطقة نسخة عن “الحرس الثوري”. تعتبر إيران نجاح مشروعها الإقليمي مرتبطا بنشر نموذج “الحرس الثوري” في كلّ مكان. لذلك كان “حزب الله” الذي يعمل من أجل فرض إرادته على الدولة اللبنانية بعدما استطاع تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان، في أكثريته طبعا. هناك عدد كبير من أبناء الطائفة ما زال يتصدّى للنموذج الذي يعمل الحزب، ومن خلفه إيران، على بنائه، كي تعمّ ثقافة الموت كلّ لبنان. على الرغم من ذلك كلّه، لا يزال لبنان يقاوم، ولا تزال ثقافة الحياة شعار معظم اللبنانيين.

لم تعمل إيران في سوريا سوى على نشر ميليشياتها المذهبية في كلّ مكان. شاركت النظام السوري في حملته على المدن الكبرى، وهي حملة تستهدف هذه المدن بصفة كونها مدنا سنّية أوّلا. وشاركت النظام أيضا في السعي إلى تغيير طبيعة دمشق على نحو جذري. هل مثل هذا المشروع القائم على فكرة التخلص من المدن السورية الكبرى، وتهجير أكبر عدد من السوريين مشروع قابل للحياة بأي شكل، أم أنّه مشروع حرب مستمرة تكلف مليارات الدولارات اضطرت خلالها إيران إلى الاستعانة بروسيا في مثل هذه الأيّام من العام 2015 كي لا تجتاح المعارضة الساحل السوري ودمشق نفسها؟

استغلت إيران الاستفتاء الكردي كي تستعيد المبادرة في العراق، خصوصا بعد إظهار رئيس الوزراء، والشخصيتين الشيعيتين مقتدى الصدر وعمّار الحكيم، نوعا من التذمرّ منها. عبّرت عن هذا التذمّر القنوات التي فتحتها بغداد مع دول عربية، على رأسها المملكـة العربية السعـودية. أعلنت إيران حالا من الاستنفار في وجه كردستان العراق، خصوصا بعدما احتفل أكرادها بإجراء الاستفتاء في ذلك الإقليم العراقي. الأكيد أنّ إيران لن تنتصر على الأكراد، بما في ذلك أكرادها. ليس تظاهر هؤلاء فرحا بما فعله أكراد العراق سوى دليل على أنها عجزت عن أن يكون نظام “الجمهورية الإسلامية” ضمانة لكل الإيرانيين، وأنه ليس سوى نظام قمعي لا مستقبل له. هل من يضمن أن يكون هناك “مرشد” جديد للجمهورية في حال غياب علي خامنئي؟

لن تنتصر إيران في سوريا، ولن تنتصر حتّى في اليمن حيث حاولت نقل تجربتها عبر الحوثيين، أي “أنصار الله”، الذين ليس لديهم ما يفعلونه حاليا غير التضييق على حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي فقد حرية التحرك بأمان في صنعاء.

أزمة إيران تتجاوز سوريا. إنها أزمة تراجع المشروع التوسعي الإيراني الذي يسعى حاليا إلى استغلال الاستفتاء الذي أجري في كردستان العراق لتحقيق انطلاقة جديدة له
في النهاية، يحتاج مشروع توسّعي مثل ذلك الذي تنادي به إيران إلى أكثر من ميليشيات مذهبية تنشر البؤس وثقافة الموت في العراق وسوريا ولبنان واليمن. يحتاج إلى أكثر من تواطؤ أميركي، كما حصل في العراق بعد العام 2003 أو في أثناء التفاوض في شأن الملفّ النووي الإيراني. يحتاج إلى أكثر من التحالف مع روسيا كي يبقى بشّار الأسد في دمشق.

لا يمكن لدولة، مهما امتلك قادتها من دهاء وحقد على العرب، يعيش أكثر من نصف شعبها تحت خطّ الفقر تقديم نموذج والترويج له عن طريق الميليشيات. تستطيع إيران أن تدمّر ولا تستطيع أن تبني. لا يمكن لمشروعها إلا أن يكون في حال تراجع. لا لشيء سوى لأنّ ليس لديها ما تطرحه غير ثقافة الموت والشعارات والمزايدات. هل من دليل على الفشل الإيراني أكثر من الخطاب الأخير للأمين العام لـ“حزب الله” السيّد حسن نصرالله الذي قال فيه “أدعو اليهود إلى أن يغادروا فلسطين المحتلة إلى الدول التي جاؤوا منها، كي لا يكونوا وقودا في الحرب المقبلة، فقد لا يكون لهم الوقت الكافي للمغادرة”.

بعد هذا الكلام الذي لا يذكّر إلا بما كان يقوله أحمد الشقيري قبل حرب العام 1967 عن “رمي اليهود في البحر”، هل يجوز الكلام عن انتصار لإيران في أيّ مكان، بما في ذلك سوريا، باستثناء القدرة على الاستثمار في الميليشيات المذهبية؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ الحديث الوحيد الممكن هو عن تراجع المشروع التوسّعي الإيراني الذي لم يعد لديه من مكان يعرض فيه عضلاته غير لبنان… لعلّ وعسى ينجح في تحويل البلد الصغير، عبر الانتخابات النيابية التي يصرّ حسن نصرالله عليها، إلى مستعمرة إيرانية قبل فوات الأوان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تراجع المشروع التوسعي الإيراني تراجع المشروع التوسعي الإيراني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة

GMT 02:17 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مناظر خلابة ورحلة استثنائية في جزر فينيسيا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon