توقيت القاهرة المحلي 23:43:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روسيا وسورية والبناء على باطل

  مصر اليوم -

روسيا وسورية والبناء على باطل

بقلم - خيرالله خيرالله

لم يعد سرّا أن الولايات المتحدة قررت أن يكون لها وجود عسكري دائم في الأراضي السورية. باتت تسيطر بفضل هذا الوجود على جزء لا بأس به من ثروات سوريا الموجودة في منطقة الجزيرة وشرق الفرات. تسيطر عمليا على قسم من النفط والغاز وعلى مناطق زراعية شاسعة وعلى المياه. تلعب في الوقت ذاته الورقة الكردية التي تثير تركيا وتجعلها راغبة في شنّ حملات عسكرية يصعب التكهّن بالنتائج التي ستسفر عنها.

الثابت الوحيد أنّه كلّما هددت تركيا باللجوء إلى القوّة وكلّما حشدت قوات من أجل استعادة عفرين تجد نفسها مضطرة لزيادة تقرّبها من روسيا وإيران على حساب الولايات المتحدة، حليفها التقليدي. تلعب تركيا، التي بدأت عملية عفرين، لعبة خطرة عائدة إلى أنّها تأخّرت كثيرا في التعاطي الجدّي مع الموضوع السوري وذلك منذ اليوم الأول الذي اندلعت فيه الثورة الشعبية في ذلك البلد المهمّ في آذار – مارس 2011.

من لاعب أساسي في سوريا، تحوّلت تركيا مع مرور الوقت إلى لاعب ثانوي، لكنّه موجود على الأرض، يريد المحافظة على مصالحه والدفاع عنها. هذا عائد أساسا إلى أن تركيا لم تسارع إلى التدخّل بطريقة ذكيّة عندما كانت الفرصة متاحة لها. عندما أرادت التدخّل، جاء ذلك متأخّرا. دخلت بكلّ بساطة في منافسة مع إيران وروسيا التي عرفت كيف تدجّن رجب طيب أردوغان، على غرار ما فعلت إسرائيل معه قبل ذلك.

جديد سوريا الآن، أن هناك سياسة أميركية في مرحلة التبلور. يعبّر عن هذه السياسة وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي قال في مركز للدراسات تابع لجامعة ستانفورد في كاليفورنيا كلاما يفهم منه أن الإدارة الأميركية تتجه إلى توضيح سياستها السورية بعيدا عن الكلام الكبير الذي كان يصدر عن الرئيس دونالد ترامب.

بقي هذا الكلام الكبير من دون ترجمة حقيقية على أرض الواقع، على الرغم من قصف أميركي لمطار في خان شيخون ردّا على استخدام بشّار الأسد للسلاح الكيميائي في حربه على شعبه. وقد تبيّن لاحقا أن لا متابعة لذلك القصف الذي كان هدفه إنقاذ ماء الوجه لترامب وإظهاره بأنّه مختلف عن سلفه باراك أوباما.

قال تيلرسون كلاما من دون فذلكات. فحوى الكلام أن أميركا مع المحافظة على وحدة الأراضي السورية وأن لا مستقبل لسوريا في ظلّ نظام “قاتل” لشعبه ووجود إيراني “شرّير”.
عاجزة عن حل الأزمة رغم قوة ضرباتها

لا يمكن بالطبع الاعتماد على السياسة الأميركية في أيّ مكان من العالم، باستثناء إسرائيل طبعا. لكن الملفت أنّ وزير الخارجية الأميركي بدأ يتكلّم بلغة مفهومة وواقعية في الوقت ذاته. مثل هذا الكلام يثير تساؤلا هل تغيّر شيء في واشنطن وهل رفع البيت الأبيض يده عن الخارجية وترك لها وللبنتاغون (وزارة الدفاع) هامشا للتصرّف بعيدا عن التنسيق مع روسيا؟

ما الذي يدعو إلى الاعتراف بأهمّية ما صدر عن تيلرسون؟ يعود ذلك إلى إعطاء معنى سياسي واستراتيجي للمرّة الأولى للوجود العسكري الأميركي في سوريا. قال تيلرسون بالحرف الواحد “وجودنا العسكري في سوريا أصبح حقيقة وأمرا واقعا لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والمساهمة برحيل الأسد وأسرته حسب قرار الأمم المتحدة، وإخراج الإيرانيين من كلّ الأراضي السورية، وعودة اللاجئين إلى ديارهم (…)”.

هذا الكلام المليء بالمعاني، والذي لا يزال في حاجة إلى تطبيق له، يواجه كلاما خشبيا صادرا عن المسؤولين الروس من نوع وزير الخارجية سيرجي لافروف الذي يتّهم الإدارة الأميركية بالسعي إلى تقسيم سوريا.

يغطي هذا الكلام على الفشل الروسي المستمر والقائم على فكرة أن في الإمكان البناء على بقاء بشّار الأسد في دمشق. ما بني على باطل هو باطل. يعود ذلك إلى سبب في غاية البساطة. هذا السبب هو أنّ النظام السوري لم يمتلك شرعية في يوم من الأيّام، لا في عهد حافظ الأسد ولا في عهد بشّار الأسد.

هذا نظام أقلّوي انبثق عن انقلاب عسكري نفّذ في الثامن من آذار – مارس 1963 عندما أطيح الحكم الذي قام بعد الانتهاء من كارثة اسمها الوحدة المصرية – السورية التي أسست للنظام الأمني في سوريا وقضت على كلّ القوى الحيّة في المجتمع أو هجّرتها من البلد.

ليت روسيا تستفيد في تعاطيها مع سوريا من تجارب الماضي القريب. لو كان ممكنا الرهان على أنظمة غير شرعية، لكان الاتحاد السوفييتي ما زال حيّا يرزق. ولكانت دول مثل هنغاريا وبولندا وبلغاريا وألمانيا الشرقية ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا التي صارت دولتين (تشيكيا وسلوفاكيا) ما زالت تدور في فلكه ولما استقلت إستونيا وليتوانيا ولاتفيا.

يبحث الروسي عن شرعية لنظام لا شرعية له أساسا. لهذا فشلت السياسة الروسية في سوريا ولهذا تبدو قاعدة حميميم أكثر من قاعدة مكشوفة في بلد لا يمكن لشعبه العيش في ظلّ نظام بشّار الأسد. تستطيع روسيا إنقاذ بشّار الأسد غير مرّة كما فعلت في خريف العام 2015، لكنّ ذلك لا يُغني عن سياسة واضحة تعترف قبل أيّ شيء آخر بأنّ روسيا لا تستطيع أن تكون أكثر من شريك في تقرير مستقبل سوريا وأنّها طرف من أصل خمسة أطراف تتنازع السيادة على الأراضي السورية. هذه الأطراف هي روسيا نفسها مع إيران والولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل. تلك هي الصورة الكبيرة للوضع السوري والتي لا تسمح بتقرير مصير البلد في سوتشي ولا في غير سوتشي. لا يمكن أن يتقرّر مصير سوريا ما دام بشّار الأسد في دمشق لا أكثر ولا أقلّ.

يظلّ السؤال إلى أي حدّ ستكون الولايات المتحدة جدّية في التعاطي المختلف مع الوضع السوري في وقت دخل عهد دونالد ترامب سنته الثانية؟ الثابت إلى الآن أنّ تغييرا ما حصل في واشنطن، خصوصا في ضوء صدور كتاب “نار وغضب” الذي يكشف بين ما يكشف العلاقة بين ترامب وروسيا بما يسمح لأشخاص مثل وزير الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي هربرت مكماستر بأن تكون لهم كلمة أكبر في رسم السياسة الأميركية، بما في ذلك تجاه سوريا.

ليس ضروريا أن يحصل نجاح أميركي في سوريا. الأمر الوحيد الأكيد أن روسيا لن تكون قادرة على وضع يدها على البلد وتحديد مستقبله وحدها. تبدو القضية السورية مع مرور كلّ يوم في غاية التعقيد، بل تزداد تعقيدا، ولن تحلها البراميل المتفجرة ولا الميليشيات المذهبية التابعة لإيران ولا القاذفات الروسية بكلّ أنواعها.

الأمر الوحيد الثابت أن من يريد المحافظة على وحدة سوريا لا يسير في الخط الإيراني ولا يراهن على بشّار الأسد. مثل هذا الرهان يظلّ الطريق الأقصر لتفتيت سوريا أكثر مما هي مفتّتة تنفيذا قبل كلّ شيء لرغبات إسرائيل التي حصدت ثمار سبع سنوات من بقاء بشّار الأسد في دمشق على رغم الرفض الشعبي له. حصدت إسرائيل الجولان الذي صار في جيبها ولا أحد يسأل عنه. ولا شكّ أنّها ستحصل على المزيد كلّما بقي بشّار في دمشق بغض النظر عن حصول تغيير في واشنطن أو عدم حصول ذلك.

المصدر : جريدة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا وسورية والبناء على باطل روسيا وسورية والبناء على باطل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:57 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

GMT 02:39 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رانيا محمود ياسين توضح قطع علاقتها بالبرامج التليفزيونية

GMT 09:28 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

المصري يعلن انتقال أحمد جمعة إلى إنبي

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي سمير غانم تكشف عن خلاف حاد مع زوجها تحول إلى نوبة ضحك

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أصابع الجبنة بالثوم

GMT 11:17 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يتخذ أولى خطوات الرحيل عن ليفربول

GMT 02:40 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تفاصيل إصابة ابن ماما سناء بفيروس "كورونا"

GMT 01:56 2020 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

طريقة عمل البوريك التركي بأقل التكاليف

GMT 21:12 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

إليسا تروج لحفلها اليوم في بث مباشر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon