توقيت القاهرة المحلي 05:01:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان ومعادلة العسكر والشارع

  مصر اليوم -

السودان ومعادلة العسكر والشارع

بقلم - خيرالله خيرالله

لدى السودان ما يكفي من المشاكل والأزمات الداخليّة، كي تعي الطبقة السياسيّة فيه انّ ثمّة حاجة إلى تفادي الوقوع في تجارب الماضي الممتد منذ استقلال البلد في العام 1956. كانت كلّ تلك التجارب خاسرة... هل من يريد ان يتعلّم منها بالفعل، ام تبقى المزايدات والأحلام الوردية، التي لا أساس لها، مهيمنة على المشهد السياسي؟

 يفترض في الطبقة السياسيّة السودانيّة الإبتعاد عن السلبيات والكلام الكبير الخالي من ايّ مضمون كي لا يتعرّض السودان إلى مزيد من الهزات وكي يتفادى مستقبلا مظلما. بكلام أوضح، هناك سؤال في غاية البساطة يختزل الأزمة العميقة التي يمر فيها السودان: هل في الإمكان كسر الحلقة المقفلة التي يدور فيها البلد؟

في النهاية، بعيدا عن الشعارات البراقة التي لا تعني شيئا على ارض الواقع، لا بديل من تعاون بين الطبقة السياسيّة من جهة والقيادة العسكريّة ممثله بعبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) من جهة أخرى. توجد حاجة إلى تعاون وتفاهم بين الجانبين، على ان يعرف كلّ منهما حدوده، من اجل الانتقال إلى مرحلة الخروج من الحلقة المقفلة في بلد يتهيأ فيه جماعة الديكتاتور عمر حسن البشير، بينهم جماعة الأخوان المسلمين، للانقضاض على السلطة مجددا. لا يستطيع العسكر حكم السودان وحدهم ولا يستطيع ممثلو الطبقة السياسيّة اخراج البلد من الحضيض الذي وجد نفسه فيه من دون غطاء العسكر. هذه حقيقة مؤلمة لا مفرّ من التعاطي معها.

سلّم المدنيون السلطة إلى العسكر في العام 1958 نتيجة فشلهم في إدارة السودان وتكريس قيام نظام ديموقراطي قائم على التعددية الحزبيّة. فشل السياسيون الذين اعتقدوا ان العسكر يمتلكون عصا سحريّة. بعد ست سنوات، وبعدما تأكد فشل العسكريين، نزل السودانيون إلى الشارع يصيحون "إلى الثكنات يا حشرات". عاد العسكر بقيادة الفريق إبراهيم عبود إلى الثكنات وتركوا الأحزاب تحكم مجددا. اثبتت الأحزاب فشلها مجددا وسهلت وصول جعفر نميري ومجموعة من الضباط إلى السلطة في العام 1969 في وقت كانت مجموعة من الضباط، على رأسها معمّر القذافي، تقلب النظام الملكي في ليبيا. منذ الإنقلاب على النظام الملكي في ليبيا، لم ير البلد يوما أبيض، تماما كما حصل في العراق عندما أطاحت مجموعة من الضباط الدمويين النظام الملكي في الرابع عشر من تموز – يوليو 1958.

تكفل النميري، الذي لم يكن يتمتع بأي ثقافة سياسية، بالقضاء على كلّ ما هو حضاري في السودان. انتقل من الناصريّة (نسبة إلى جمال عبدالناصر) إلى حليف للإخوان المسلمين وحسن الترابي. إنتهى نظامه بطريقة مخزية. رحل النميري وعاد المدنيون في العام 1985. لم يتمكن هؤلاء من صنع فارق، على العكس من ذلك، تدهور الوضع الاقتصادي في ظلّ فراغ سياسي وفساد سهّلا استيلاء عمر حسن البشير والإخوان المسلمين على السلطة في 1989. بقي البشير، بكل ما يمثله من تخلّف، يحكم السودان ثلاثة عقود. لم يتردّد في الإقدام على ايّ خطوة أو مغامرة من اجل البقاء في السلطة. اعتبر تقسيم السودان امرا طبيعيا. ذهب إلى التقسيم بصراحة ليس بعدها صراحة. قسّم السودان وتخلى عن جنوبه متى شعر انّ ذلك يشكّل ضمانة لبقائه في السلطة. كذلك لم يجد حرجا في ارتكاب مجازر في دارفور مستخدما ميليشيا الجنجويد في تعبير واضح عن مشاعر ذات طابع عنصري. اخرجه تحرك شعبي من السلطة في العام 2019، لكنّ ما لا مفرّ من الإعتراف به أنّ ذلك كان بدعم من عدد من كبار الضباط الذين تصرفوا بحكمة عندما رفضوا مجاراة عمر حسن البشير في قمع الشعب السوداني المنتفض. وفّر العسكر الحماية للمواطنين ووضعوا البشير في السجن. تفادوا حمّام دمّ كان البشير مستعدا له!

ما العمل الآن؟ العسكر عاجزون عن حكم السودان ولكن لا قرارات كبيرة يمكن اتخاذها من دون غطاء منهم. في المقابل، لم تستطع القوى السياسيّة إثبات قدرتها على معالجة أي مشكلة. حسنا، تريد هذه القوى عودة العسكر إلى الثكنات. تتجاهل أنّ السودان في العام 2022 ليس السودان في العام 1964. مشاكل البلد اكثر تعقيدا واتساعا في بلد يواجه أزمة اقتصادية عميقة وأزمة العلاقات الصعبة والمعقدة مع اثيوبيا. ليس صحيحا ان لا حاجة لدى الطبقة السياسية والقوى السياسية للعسكر. كذلك، ليس صحيحا ان العسكر في السودان يستطيعون الإستغناء عن الشارع السوداني والقوى التي تتحكم بالشارع. العسكر يكملون القوى السياسية التي تكمل بدورها العسكر. لا غنى لأي طرف من الطرفين عن الآخر. على سبيل المثال وليس الحصر، هل توجد قوّة سياسيّة معيّنة في السودان قادرة على التفاوض مع سياسي محنك ومراوغ من طينة رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي احمد؟

التقى الفريق البرهان آبيي احمد، قبل ايّام، في نيروبي. في حال ترك الأمر للسياسيين أو ممثلي الأحزاب السودانية، لكان هؤلاء في حاجة إلى أسابيع او اشهر من اجل اتخاذ قرار بلقاء رئيس الوزراء السوداني او عدم لقائه... والعثور على شخصية تستطيع التفاوض معه.

يحتاج السودان في هذه المرحلة إلى من يتخذ قرارا. هناك قضايا مهمّة، بعضها مرتبط بالسياسة الخارجية وعلاقة السودان بمحيطه في حاجة إلى قرار حاسم. من الضروري العثور على صيغة تفاهم بين المدنيين والعسكر. سهّل البرهان ذلك في مداخلته الأخيرة التي ابدى فيها استعدادا لإبتعاد العسكر عن السياسة ولكن من دون غياب تام عن المشهد السوداني.

من الواضح انّ الضباط السودانيين ليسوا ملائكة، لكنّ الأكيد انّهم يدركون الحاجة إلى تغطية شعبية مصدرها الشارع. كيف العمل من اجل إيجاد معادلة تحمي السودان من طموحات العسكر وتحمي في الوقت ذاته العسكر من سذاجة الطبقة السياسية السودانية التي ترفض قراءة تاريخ البلد المهدد بانهيار اقتصادي، وهو تاريخ ممتد بين 1956 و2022؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان ومعادلة العسكر والشارع السودان ومعادلة العسكر والشارع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon