بقلم : خيرالله خيرالله
شئنا أم أبينا، غير «طوفان الأقصى» المنطقة. من كان يتصور أن الهجوم الذي يقف خلفه الراحل يحيى السنوار، سيتبه رحيل السنوار نفسه وقياديين في «حماس» مثل إسماعيل هنية وصالح العاروري... كما دمر الوحش الإسرائيلي غزة، كذلك، قتل حسن نصرالله وكبار قياديي «حزب الله» وحول جزءاً من جنوب لبنان ما يشبه غزة.
يرفض «حزب الله» الاعتراف بهذا الواقع الأليم. يبدو مصراً أكثر من أي وقت على رفض استيعاب الواقع الإقليمي الجديد المتمثل في فشل المشروع الإيراني الذي كان الحزب، ولايزال، جزءاً لا يتجزأ منه. ليس السؤال الآن ما الذي حل بالنظام السوري الذي انتهى إلى غير رجعة. السؤال أي مستقبل لإيران ومشروعها الإقليمي ولوجودها في العراق الذي انكفأت عليه بعد تحوله إلى خط الدفاع الأول عن النظام القائم في «الجمهورية الإسلامية». صار الخط الأول في الدفاع عن وجود النظام الإيراني بفضل ميليشيات «الحشد الشعبي».
ما بدأ بـ«طوفان الأقصى» يوم السابع أكتوبر 2023 في حجم نقاط التحول الأساسية في الشرق الأوسط، بدءاً بإعلان قيام دولة إسرائيل في 1948 وهزيمة 1967 والاحتلال الأميركي للعراق في 2003... وصولاً إلى سقوط النظام السوري البعثي – العلوي – العائلي الذي وجد دائماً حماية له في بقاء إسرائيل في الجولان. ليس صدفة أن حافظ الأسد أصر دائماً، مستخدماً حججاً واهية، على إضاعة كل فرصة لاستعادة الجولان على غرار استرجاع مصر أنور السادات لسيناء.
من هنا، يتبين أن ما حدث في سورية، بفرار بشار الأسد إلى موسكو، ليس حدثاً محصوراً بسورية فحسب، بل إنه أيضاً تغيير على الصعيد الإقليمي تصلح له عناوين عدة. بين هذه العناوين انهيار المشروع الإيراني. صار هذا المشروع حقيقة في ضوء تقديم إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضة إلى «الجمهورية الإسلامية» في ايران قبل ما يزيد على 21 عاماً.
كان الملك عبدالله الثاني، ذو الذكاء السياسي الحاد والرؤية المستقبلية، أول من تحدث عن هذا المشروع الإيراني في أكتوبر 2004 وحذر منه. كان ذلك في مقابلة أجرتها معه «واشنطن بوست». لم يكن قصد العاهل الأردني أي إساءة لأحد، خصوصاً أن الهاشميين من أهل البيت، بمقدار ما أنه كان يقصد كشف نية النظام الإيراني ربط بغداد ودمشق وبيروت بطهران، كمركز للقرار الإقليمي... وللسيطرة الإيرانية على هذا القرار في ضوء وضع اليد على العراق وتغيير طبيعة البلد ودوره الإقليمي.
أكثر من ذلك، كان هدف «الجمهورية الإسلامية» الوصول إلى البحر المتوسط، إلى بيروت، وتأكيد النفوذ الإيراني في المنطقة كلها وليس في الخليج وآسيا الوسطى فقط. في مرحلة لاحقة، توسع «المشروع الإيراني» إلى اليمن مع استيلاء الحوثيين على صنعاء ابتداءً من 21 سبتمبر من العام 2014. أرادت إيران أن يكون لها، عبر اليمن، موقع في شبه الجزيرة العربية ومنفذ على البحر الأحمر. نجحت في ذلك وإن موقتاً.
لعبت سورية في ظل حكم بشار الأسد وموقعها الجغرافي دوراً أساسياً في تنفيذ المشروع التوسعي الإيراني، خصوصاً بعدما أثبتت الأحداث أن الرجل لم يكن أكثر من بيدق إيراني. وقع بشار منذ اليوم الأول لخلافته والده منتصف العام 2000 ضحية حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله»، الذي قتل في سبتمبر الماضي. تحول حسن نصرالله طوال 24 عاماً من حكم بشار الأسد إلى صاحب التأثير الأكبر عليه. لم يكتف رئيس النظام السوري بتغطية إغتيال رفيق الحريري وعمليات الإغتيال الأخرى التي استهدفت الشرفاء في لبنان، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما اعتمد على «حزب الله» في حربه على الشعب السوري ابتداءً من مارس 2011. هل يظن «حزب الله» أنه لن يكون هناك ثمن يدفعه نتيجة مشاركته في الحرب على الشعب السوري وتهجير سوريين من قراهم وبلداتهم؟
استطاعت إيران، عبر حسن نصرالله، استغلال غباء بشار الأسد وصغارته إلى أبعد حدود، لكن استثمارها ما لبث أن ارتد عليها على غرار استثمارها في «حزب الله». سقط المشروع الإيراني فعلاً. لا يدل على ذلك أكثر من انهيار النظام السوري وقبله «حماس» و«حزب الله». من سيسقط في المستقبل القريب؟
في نهاية المطاف لا تمتلك إيران الاقتصاد الصلب الذي يسمح لها بتنفيذ مشروعها التوسعي. المؤسف أن هذا الانهيار للمشروع التوسعي الإيراني تأخر كثيراً بعدما استطاع النظام الأقلوي في سورية تدمير جزء كبير من البلد وإلحاق ضرر فادح في المجتمع السوري وبسورية نفسها. الأخطر من ذلك كله أن المستفيد في المدى القصير من وجود النظام السوري، قبل أن يلفظ أنفاسه، كانت إيران، في حين أن المستفيد في المدى البعيد هو إسرائيل. من يُخرج إسرائيل يوماً من الجولان الذي تحتله منذ العام 1967؟
رحل بشار الأسد والنظام الذي أقامه والده. لكن الوجود الإسرائيلي في الجولان صار واقعاً. صار الاحتلال واقعاً وصار جزءاً من التغيير الكبير الذي تشهده المنطقة في أيامنا هذه. إنه تغيير لا يمكن أن تبقى إيران بعيدة عنه بأي شكل.