ضربت إسرائيل حديثا مطار حلب مرتين في غضون أسبوع. عطلت الملاحة فيه ليومين أو ثلاثة نتيجة الضربة الأولى والحقت اضرار اكبر في مدرج المطار في المرّة الثانيّة. ليس معروفا متى سيعاود المطار حركته العادية في ضوء الضربة الثانية.
يشير ما فعلته اسرائيل إلى وجود أجواء توتر في المنطقة، خصوصا في ظلّ إصرار لديها على منع تدفق السلاح الإيراني على سوريا التي كانت دائما ممرّا لهذا السلاح إلى لبنان. ليس معروفا إلى أين يمكن ان تصل درجة التوتّر، لكن الواضح أنّ حكومة يائير لابيد – بني غانتس، وهي على عتبة انتخابات عامة ستقرّر مصيرها بعد اقل من شهرين، مستعدة للذهاب بعيدا في اتجاه الحؤول دون تطويق إيراني لإسرائيل. يشكل لبنان وجنوب سوريا تحديدا، منطقتين تضافان إلى مناطق عدّة، بينها قطاع غزّة والعراق واليمن، فيها صواريخ إيرانية قادرة على بلوغ عمق الأراضي الإسرائيلية.
ليس في الإصرار الإسرائيلي على توجيه ضربات في الداخل السوري ما هو مضحك. المضحك في الموضوع هو رد النظام السوري على غارتي حلب الأخيرتين اللتين اعتبرهما "جريمة حرب". قبل ذلك قال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في تعليق على الغارة الأولى التي استهدفت مطار حلب: "إسرائيل تلعب بالنار وتعرض الأوضاع الأمنيّة والعسكريّة في المنطقة للتفجير". قال في الوقت ذاته للتلفزيون الروسي لدى سؤاله بطريقة مهذبة: لماذا يتأخر الرد السوري دائما على الإستهداف الإسرائيلي المستمر؟: "انا أقول بشكل دائم أنّه يوجد رد سوري على المحاولات الإسرائيلية ونحذر إسرائيل من التمادي في هذه الإعتداءات كما يحق لسوريا ان تردّ عندما تريد ذلك بكل انواع... صبر سوريا يجب الّا يختبر". لم يوضح المقداد معنى عبارة "بكل أنواع" وما الذي عناه بها. لكنّ الثابت أن كل ما يقوله يعبّر عن عمق الأزمة السورية في ظلّ وجود نظام برئاسة بشّار الأسد لا يزال قائما، وإن صوريا، بغية تحقيق هدف واحد وُجد النظام أصلا من اجله. هذا الهدف هو تفتيت سوريا التي عرفناها وذلك كي لا تقوم لها قيامة في يوم من الأيّام.
لا يمكن الإستخفاف بالضربتين الإسرائيليتين اللتين استهدفتا مطار حلب في وقت وجهت فيه ضربات أخرى إلى مواقع في دير الزور، بينها المطار. يأتي ذلك في وقت تمرّ فيه المنطقة كلّها في وضع بالغ الخطورة ناجم في اساسه عن المشروع التوسعي الإيراني الذي اخذ بعدا جديدا وزاد عدائيّة إثر تسليم إدارة جورج بوش الإبن للعراق على صحن من فضّة إلى الجمهورية الإسلاميّة" في ايران في ربيع العام 2003.
وقّعت ايران صفقة مع "الشيطان الأكبر" الأميركي في شأن برنامجها النووي، أم لم توقّع مثل هذه الصفقة، لم يعد امام إسرائيل سوى التصعيد.
يأتي التصعيد الإسرائيلي فيما تعيش المنطقة كلّها على وقع أربع أزمات في آن. الأولى أزمة النظام السوري الأقلوي نفسه، والثانية أزمة العجز الأميركي عن لعب دور بناء وواضح في الشوق الأوسط والخليج، والثالثة أزمة الطاقة التي باتت ذات بعد عالمي بعدما غزا فلاديمير بيوتين أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط – فبراير الماضي، والرابعة أزمة النظام الإيراني.
في أساس أزمة النظام الإيراني مشروع توسّعي قائم على نشر ميليشيات مذهبيّة في المنطقة كي تظهر "الجمهوريّة الإسلاميّة" في مظهر القوّة الإقليمية المهيمنة. يصرّ النظام الإيراني على لعب دور القوّة المهيمنة على الشرق الأوسط والخليج وما هو ابعد منهما على الرغم من وضعه الاقتصادي المزري من جهة وأن ليس لديه ما يصدره إلى خارج حدوده غير فوضى السلاح من جهة أخرى.
تضرب إسرائيل في سوريا حيث تجتمع الأزمات الأربع وحيث تنتظر تركيا الوقت المناسب لتوسيع المنطقة العازلة في الشمال السوري حيث هناك وجود عسكري أميركي أيضا.
ولّدت الأزمات الأربع أزمات فرعية، لكنها ذات اهمّية كبيرة من نوع أزمة لبنان وأزمة العراق وأزمة اليمن. يبدو مصير كلّ بلد من البلدان الثلاثة هذه، حيث التدخل الإيراني الواسع، على المحكّ. ليست سوريا وحدها التي تحتاج إلى صيغة سياسيّة جديدة بعد هذه السنوات الطويلة من الحكم العلوي ومن العجز عن خوض الحرب أو تحقيق السلم واستعادة الجولان، عندما كان ذلك متاحا. لبنان في مهب الريح، كذلك العراق واليمن.
ما الذي ستفعله إسرائيل التي تجد نفسها كلّ يوم مطوقة اكثر؟ الجواب في غاية البساطة. ليس امامها سوى التصعيد. بات خيار التصعيد مفروضا، بتعاطف أميركي، فيما الانتخابات العامة على الأبواب. بفارق صوتين أو ثلاثة في الكنيست، يحتمل ان يعود بنيامين نتانياهو إلى موقع رئيس الوزراء. لدى "بيبي" أعداء كثر داخل إسرائيل نفسها، كذلك إنّ "بيبي" ليس مقبولا اميركيا، من إدارة بايدن، تحديدا بعدما ارتبط بدونالد ترامب ارتباطا يمكن وصفه بالعضوي.
حتّى لو وقعت إدارة بايدن صفقة مع "الجمهوريّة الإسلاميّة"، لن تلعب دورا في لجم اسرائيل ومنعها من التصعيد. لا لشيء سوى لأنّ أي صفقة جديدة قد يتمّ التوصل اليها في شأن البرنامج النووي الإيراني لن تربط بين هذا البرنامج وسلوك "الجمهوريّة الإسلاميّة" خارج حدودها.
وسط كلّ هذه التعقيدات الإقليميّة والعالميّة، يبقى سؤال يفرض نفسه بقوّة والحاح. هل الضربات التي تنفذها إسرائيل مرتبطة بحرب محتملة اكثر شمولا في مرحلة معيّنة؟
الأكيد أن ضرب مطار حلب وإخراجه من الخدمة لهما رمزيّة، خصوصا في ظلّ تقارب تركي – إسرائيلي كان افضل تعبير عنه زيارة فرقاطة عسكرية تركية لميناء حيفا قبل ايّام قليلة. هذا امر يحدث للمرّة الأولى منذ العام 2010. هل صدفة أن يأتي هذا التقارب في هذا الوقت بالذات وفي ظل توسيع إسرائيل لعملياتها العسكرية وصولا إلى حلب التي لا تبعد كثيرا عن تركيا؟