توقيت القاهرة المحلي 09:31:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خطيئة في حق تونس!

  مصر اليوم -

خطيئة في حق تونس

بقلم - خيرالله خيرالله

إنّه تصرف غير مسؤول لا يمكن صدوره عن رئيس دولة تحترم نفسها. هذا أقلّ ما يمكن ان يوصف به استقبال الرئيس التونسي قيس سعيّد لإبراهيم غالي زعيم جبهة "بوليساريو"، التي ليست سوى أداة جزائريّة تستخدم في حرب استنزاف تشنها الجزائر على المغرب منذ نصف قرن تقريبا.

الأكيد أن مثل هذا التصرّف يسيء إلى تونس التي تمر في ظروف صعبة ومعقّدة، كما يشكّل طعنة في الظهر للمملكة المغربيّة التي لم تقدّم لتونس سوى الخير. دعم المغرب تونس في كلّ وقت وساعدها في تجاوز المحن من دون ان يطلب منها شيئا. قبل سنوات قليلة، حرص الملك محمّد السادس في اثناء زيارة لتونس على تمديد اقامته فيها أيّاما عدة بغية الإطلاع عن كثب على أحوال المواطنين العاديين فيها ومعرفة ما يعانون منه بطريقة مباشرة.

ما الذي يريده الرئيس التونسي وما الذي يحاول اثباته من خلال استقباله لابراهيم غالي الذي جاء إلى تونس في طائرة خاصة مباشرة من الجزائر؟ يبدو واضحا أنّه وجد نفسه مضطرا إلى ذلك في وقت تبحث الجزائر عن أوراق جديدة لتأكيد أنّ اللعبة التي تمارسها منذ العام 1975، تاريخ استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراويّة لم تنته بعد. في النهاية، لن يقدّم الموقف التونسي من قضيّة الصحراء ولن يؤخّر، لا لشيء سوى لأنّ القوى الفاعلة في العالم، في مقدّمها الولايات المتحدة ودول أوروبية عدّة والدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة اتخذت موقفا واضحا من مغربيّة الصحراء.

أن يتنطح قيس سعيّد للمغرب يعني أنّه لم يأخذ علما بالموقف الأميركي من قضيّة الصحراء ومن ثبات السياسة الأميركيّة التي ما زالت تلتزمها إدارة جو بايدن علما أنّها تقررت في الأيام الأخيرة من إدارة دونالد ترامب. يشير ذلك إلى أن الموقف الأميركي من مغربيّة الصحراء صار موقفا واضحا معتمدا لا يتغيّر بتغيّر الإدارات في واشنطن.

يبدو أنّ الرئيس التونسي لم يجد من يقول له أن اسبانيا التي كانت الطرف الذي يستعمر الصحراء غيّرت موقفها وباتت تعتبر الطرح المغربي في ما يخص هذه المنطقة هو الموقف الأكثر واقعية. بكلام أوضح، غيّرت اسبانيا، التي تسلّل إليها إبراهيم غالي العام الماضي بجواز جزائري يحمل اسما آخر لأسباب طبية، موقفها. باتت اسبانيا، التي مرت علاقاتها بالمغرب في أزمة حينذاك والتي انسحبت من الصحراء في تشرين الثاني – نوفمبر 1975، تدرك أن الطرح المغربي القائم على الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية هو اللعبة الوحيدة في المدينة. لا مكان بعد الآن لألاعيب جزائرية تجاوزها الزمن وذلك على الرغم من توفّر المال للبلد وجنرالاته بسبب ما يملكه من نفط وغاز.

الأهمّ من ذلك كلّه، يبدو أن قيس سعيّد لم يجد من يبلغه بالموقف الذي اتخذته دول الخليج الست في قمتها الأخيرة في الرياض أواخر العام الماضي. تجاوزت الجرأة في الموقف الخليجي موضوع ايران. امتدت الجرأة الى شمال افريقيا حيث يمارس النظام الجزائري عدوانيّة موصوفة في تعاطيه مع المغرب. كانت الرسالة الخليجية الى النظام الجزائري في غاية الوضوح وذلك بتشديدها على "مغربيّة الصحراء" من جهة وعلى الشراكة مع المغرب من جهة اخرى. قال البيان: "أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، وتنفيذ خطة العمل المشترك، ومواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء، والحفاظ على أمن المملكة المغربية واستقرارها ووحدة أراضيها، مشيداً بقرار مجلس الأمن الرقم 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بشأن الصحراء المغربية".

ليس معروفا اين مصلحة تونس في السير في سياسة معادية لدول مجلس التعاون الخليجي التي ساعدتها وما زالت تساعدها يوميا في الوقوف في وجه الحركات المتطرفة من نوع حركة النهضة التي عملت على تفكيك الدولة التونسيّة.

من الواضح أن قرار استقبال زعيم "بوليساريو" في تونس قرار جزائري. لم يستطع النظام الجزائري انتزاع الموقف الذي يريده من موضوع الصحراء خلال وجود الرئيس ايمانويل ماكرون في مدينة الجزائر. تحدث الرئيس عبدالمجيد تبون عن مناقشة قضية الصحراء مع ماكرون، لكنّ اللافت أنّ الرئيس الفرنسي، لم يشر في المؤتمر الصحافي المشترك مع تبون إلى أنّه جرى التطرق إلى هذه القضيّة من قريب أو بعيد!

في كلّ الأحوال، تبين أنّ هناك اختراقا جزائريا كبيرا لتونس. هذا امر مقلق في بلد يحتاج إلى دعم عربي ودولي واضح لمواجهة الأزمة الإقتصاديّة التي يعاني منها وهي ازمة مركبة زاد عمرها على عشر سنوات. هل تستطيع الجزائر ان تأخذ على عاتقها حل الأزمة التونسية، علما انّها في حاجة إلى من ينتشلها من ازماتها الكثيرة؟

الثابت انّ ما اقدم عليه قيس سعيّد أقرب إلى مغامرة اكثر من أي شيء آخر. لم يسبق لتونس في أي وقت، خصوصا في أيام الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي والباجي قائد السبسي، قبول ان تكون في خدمة أي قوّة خارجية قريبة منها او بعيدة عنها. تحدّى الحبيب بورقيبة جمال عبدالناصر في عزّ سطوته. كان ذلك في العام 1966 عندما القى خطابه المشهور في اريحا ودعا صراحة إلى قبول قرار التقسيم في فلسطين. كان ذلك قبل حرب العام 1967 التي تسببت بكارثة عربيّة. اثبت الحبيب بورقيبة، وقتذاك، أنّه زعيم عربي حقيقي يمتلك قراره التونسي المستقلّ. وقف لاحقا في وجه معمّر القذافي الذي أراد ابتلاع تونس واستطاع وقفه عند حدّه مرات عدّة.

لم يرتكب قيس سعيّد خطأ ارتكب خطيئة. ارتكب هذه الخطيئة في حق تونس، قبل المغرب... في وقت غير مناسب لتونس. ارتكب الخطيئة في وقت يسعى فيه الرئيس التونسي، في ضوء الإستفتاء الأخير على الدستور، إلى ان يكون الحبيب بورقيبة الآخر. يتبيّن بعد استقباله ابراهيم غالي أنّه لا يستطيع حتّى آن يكون زين العابدين بن علي الآخر! 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطيئة في حق تونس خطيئة في حق تونس



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon