توقيت القاهرة المحلي 19:32:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من أكثر تهوراً... البرهان أم «حميدتي»؟

  مصر اليوم -

من أكثر تهوراً البرهان أم «حميدتي»

بقلم - خيرالله خيرالله

لم يعد معروفاً هل يوجد مخرج من الأزمة العميقة التي يمرّ بها السودان منذ ما يزيد على سنة بعد انفجار الوضع في داخل المؤسسة العسكرية بين الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي). لا يبدو أن نهاية تلوح في الأفق لهذه الأزمة التي ولدت من رحم الصراع بين عسكريين كانا مفترضاً بهما العمل على انتقال السودان إلى حكم مدني إثر سقوط نظام عمر حسن البشير في العام 2019.

بدل الإنتقال إلى حكم مدني ونقل البلد إلى مرحلة جديدة تكون بديلاً من الدكتاتورية التي مارسها البشير، في ظلّ شعارات ذات طابع إخواني، طوال ثلاثة عقود كاملة، بات السودان مهددا بالشرذمة الداخليّة. يأتي ذلك بعد تاريخ طويل من التناوب على السلطة بين العسكر والمدنيين منذ الاستقلال في العام 1956.

كانت الخطيئة الأصلية الكبرى في تسليم المدنيين السلطة إلى العسكر بعد سنتين من الإستقلال. اعتقد زعماء الأحزاب السودانيّة أنّ هناك حلا اسمه العسكر. وقتذاك، في العام 1958، تولى الضابط إبراهيم عبود، السلطة ولم يخرج منها إلّا بعد نزول المواطنين إلى الشارع هم ينادون «إلى الثكنات يا (...) «. سلّم المدنيون السلطة إلى الجيش السوداني بعد فشل على كلّ المستويات، وهو فشل اعترفوا به... إلى أن وصل يوم ظهر فيه بوضوح، ليس بعده وضوح، أن الحكم العسكري في السودان لا يقل سوءاً عن الحكم المدني وعن ممارسات الأحزاب السودانيّة.

كان إبراهيم عبود رجلاً حكيماً، إلى حدّ ما طبعاً. رفض اللجوء إلى العنف والدعم الخارجي للبقاء في السلطة كما يفعل بشار الأسد في سورية، على سبيل المثال وليس الحصر. ترك القصر الجمهوري، بعد مكوثه ست سنوات فيه. ذهب من القصر إلى بيته. تبيّن له بالملموس أن العسكر لا يستطيعون حكم السودان وليست لديهم أي حلول. لم يقاوم عبود المواطنين السودانيين الذين اكتشفوا بدورهم مرّة تلو الأخرى أن الأحزاب السودانيّة مفلسة وليست في مستوى المسؤولية. سهل ذلك الانقلاب الذي نفّذه جعفر نميري في العام 1969، وهو العام نفسه الذي وصل فيه العقيد معمّر القذافي إلى السلطة إثر انقلاب على نظام ملكي كان الضمانة الوحيدة لبقاء ليبيا دولة تتمتع بمواصفات حضاريّة وليس مجموعة ميليشيات في صراع في ما بينها كما الحال الآن.

لم يعد من مجال لإنقاذ السودان الذي بات أسير جنرالين يأخذانه إلى مزيد من الخراب والتفتت، خصوصا أن البرهان لا يزال يعتقد أنّه قادر على خلافة عمر حسن البشير وأنّه الشخص المؤهّل لذلك. في المقابل توجد طموحات من نوع آخر لدى «حميدتي»، قائد قوات الدعم السريع، الذي يمتلك مصالح واسعة يريد المحافظة عليها.

تكمن خطيئة البرهان، الذي ينتمي بدوره إلى مدرسة الإسلام السياسي ، في أنّه لم يستطع إيجاد قواسم مشتركة مع «حميدتي» يؤمنان من خلالها غطاء لحكومة مدنيّة تتولّى، عبر إختصاصيين، نقل السودان إلى مكان آخر. أي إلى حكم مدني يتولى فيه أشخاص، يمتلكون حدّاً أدنى من الخبرة، مسؤوليات معالجة مشاكل السودان من جهة والاستفادة من الثروات الكبيرة التي يتمتع بها البلد من جهة أخرى.

لا منطق يحكم السودان حيث يتجاوز حجم الأمة الإنسانية أي أزمة أخرى في العالم، بما في ذلك حجم أزمة غزّة. لم يجد البرهان طريقة للتصالح مع المنطق بعدما فشل في فهم ميزان القوى بين الجيش السوداني من جهة والقوة التي في أمرة «حميدتي» من جهة أخرى. لم يبق أمام قائد الجيش السوداني في الوقت الحاضر سوى ممارسة عملية هروب إلى أمام بدل الاعتراف بمسؤوليته عمّا آل إليه الوضع السوداني. حسنا، يمكن الكلام عن تهوّر «حميدتي»، لكن ما مسؤولية قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عندما يكون مصير البلد على كف عفريت؟ يرفض البرهان تحمّل مسؤولياته، لم يعد معروفاً هل هو متهوّر أكثر من «حميدتي»... أم أن «حميدتي» أكثر تهوراً منه. لا يدل على ذلك أكثر من الهجوم، الذي لا مبرر له الذي يشنّه البرهان على دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي بلد مسالم يتفادى أي نوع من المشاكل. جاء الهجوم غير المبرر في وقت يعاني منه قائد الجيش السوداني من انتكاسات عسكريّة كشفت ضعفه كقائد عسكري من جهة وغياب الثقافة السياسيّة لديه من جهة أخرى.

ليست معروفة طبيعة الرسائل التي يريد البرهان توجيهها. هل يريد تقديم أوراق اعتماد إلى إيران التي يريد التقرب منها... أم أنّه يبحث عن سبب يفسّر عبره، لنفسه أوّلاً، أسباب فشله في الحرب التي يشنّها على «حميدتي» الذي هو أيضاً نائبه في رئاسة مجلس السيادة الانتقالي؟ لعلّ أبرز ما أزعج البرهان حديثاً الضربات التي تلقتها قواته في غير. ما ذنب الإمارات في ذلك، علما أنّها أكدت المرّة تلو الأخرى أن لا دخل لها في الحرب السودانيّة. على العكس من ذلك، إنّ للإمارات دخلاً في السعي إلى إنهاء هذه الحرب من جهة وتأمين انتقال السلطة إلى حكم مدني وفق مبدأ التداول السلمي للسلطة من جهة أخرى. هذا ما يفسّر كلّ هذا التضايق الذي يظهره البرهان من رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، الذي حاول بين العامين 2019 و2022 تأمين الوصول إلى مرحلة انتقالية تنتقل بعدها السلطة من العسكر إلى المدنيين بشكل طبيعي.

لا يوجد عاقل يرفض الاعتراف بأن هناك دوراً حاسما لعبه كبار ضباط الجيش في دعم المجتمع المدني السوداني الذي وقف ضدّ نظام عمر حسن البشير. لا يكون استكمال هذا الدور بالسعي إلى العودة إلى نظام عسكري... أيا كان شكله. مثل هذا النظام ليس حلا للسودان الذي يسير بخطى حثيثة نحو الانهيار الكامل!


 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من أكثر تهوراً البرهان أم «حميدتي» من أكثر تهوراً البرهان أم «حميدتي»



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon