توقيت القاهرة المحلي 05:01:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أي اميركا عادت إلى المنطقة؟

  مصر اليوم -

أي اميركا عادت إلى المنطقة

بقلم - خيرالله خيرالله

هناك عودة اميركيّة أكيدة إلى المنطقة تعبّر عنها جولة الرئيس جو بايدن الذي زار إسرائيل وانتقل منها مباشرة إلى المملكة العربيّة السعوديّة. لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا سيكون متعلّقا بطبيعة هذه العودة الأميركيّة التي فرضتها حاجة العالم إلى مصادر الطاقة من جهة وإلى التصدي الجدّي للمشروع التوسعي الإيراني من جهة أخرى. 
على هامش الجولة، كان على الرئيس الأميركي تفقد أحوال رئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينية محمود عبّاس (أبو مازن) في بيت لحم وذلك من باب رفع العتب لا اكثر.
جاءت الجولة التي بدأت بتل ابيب ومحادثات بين بايدن وكبار المسؤولين الإسرائيليين، على رأسهم رئيس الوزراء يائير لابيد، في وقت اختلطت فيه الأوراق في العالم. ظهر بوضوح، ليس بعده وضوح، أنّ عالم ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا لا علاقة له بعالم ما بعد سعي الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يتحوّل بشكل تدريجي إلى نسخة عن الزعيم السوفياتي الراحل ستالين، إلى احتلال بلد أوروبي وتحويل نفسه إلى شخص منبوذ وروسيا  دولة معزولة.
ثمة نقطتان لا بدّ من التوقف عندهما مع مجيء بايدن إلى الشرق الأوسط والخليج. تتعلّق النقطة الأولى بالتركيز على ايران ودورها في المنطقة، بما في ذلك تدخلاتها عبر ميليشياتها المذهبيّة التابعة لـ"الحرس الثوري" في العراق وسوريا ولبنان واليمن. أمّا النقطة الثانية فتتعلّق باهمّية المملكة العربيّة السعودية ودورها المحوري في مجالات مختلفة بدءا بموقعها الإستراتيجي وانتهاء بما تمثله كمنتج للنفط.
جاء بايدن إلى السعودية والتقى في جدّة الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان الذي كان الرئيس الأميركي اتخذ موقفا متحفّظا منه في خلال حملته الإنتخابيّة خصوصا. في نهاية المطاف، وجدت اميركا نفسها في وضع لا تحسد عليه بعدما كانت بعثت قبل سنة بكل الرسائل الخطأ إلى حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط والخليج. كانت تلك الرسائل الخطأ من خلال الطريقة التي انسحبت بها عسكريّا من أفغانستان، وهي طريقة اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها عشوائية. بات عليها إعادة فتح ملفات قديمة بينها الحلف الإستراتيجي القديم مع السعوديّة في محاولة لإعادة الحياة إليه.
تغيّر العالم كلّيا في ظلّ ازمتي الطاقة والمواد الغذائية والحرب الأوكرانيّة. زادت ايران عدائيّة تجاه محيطها بعدما ادركت انّ الإدارة الأميركيّة لا يمكن ان ترفع عنها العقوبات بالسهولة التي تتصورّها، إضافة إلى انّها لا يمكن ان ترفع "الحرس الثوري" عن لائحة الإرهاب. ستقود "الجمهوريّة الإسلاميّة" حملة واسعة على اميركا مستعينة بروسيا، وربّما بالصين. ليس صدفة انّ قمّة ستعقد قريبا في طهران يحضرها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس الروسي والرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي ابدى في الأشهر القليلة الماضية تضايقا واضحا من بوتين ومما فعله في اوكرانيا. ليس معروفا بعد لماذا قبل اردوغان الذهاب إلى طهران وهل وجدت ايران وسيلة لممارسة ضغوط عليه؟
الثابت انّ أوروبا ضعفت وأميركا لم تزدد قوة في ضوء زيادة نسبة التضخم فيها. الأمر الآخر انّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" لم تعد في موقع المحتاج إلى روسيا، بل انّ روسيا صارت تحت رحمة ايران اكثر من أي وقت. ليس سرّا ان روسيا طلبت التزود بطائرات مسيّرة إيرانية على ان يتولى الإيرانيون تدريب العسكريين الروس على استخدام هذه الطائرات.
لا يدل على الضعف الأوروبي اكثر من وجود ثلاث دول مهمّة تعاني من مشاكل سياسيّة داخليّة كبيرة. الدول الثلاث هي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا. فقد الرئيس ايمانويل ماكرون الأكثرية في الجمعية الوطنيّة (مجلس النواب) فيما تبحث بريطانيا عن بديل من رئيس الوزراء بوريس جونسون. أمّا الحكومة الإيطالية برئاسة ماريو دراغي، فقد استقالت بعد فقدان دعم الإئتلاف الحاكم. لكن اكثر ما يعبّر عن الضعف الإوروبي، فهو هبوط سعر اليورو إلى مستوى الدولار الواحد للمرّة الأولى منذ عشرين عاما. حتّى الاقتصاد الألماني بدأ يعاني بسبب انقطاع الغاز الروسي!
مع انتهاء  جولة بايدن، أي اميركا عادت إلى المنطقة؟ ستكون مرحلة ما بعد جولة الرئيس الأميركي مرحلة الأجوبة الصعبة، خصوصا ان ليس ما يشير، اقلّه إلى الآن، إلى مدى عمق التنسيق الأميركي – الإسرائيلي في مواجهة المشروع التوسّعي الإيراني، بما في ذلك البرنامج النووي لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة". كذلك، ليس معروفا إلى أي حد ستذهب اميركا في دعم حلفائها في مواجهة الخطر الإيراني الداهم. لا يتمثل هذا الخطر في تمكن "الجمهوريّة الإسلاميّة" من تحويل جزء من اليمن إلى قاعدة صواريخ ومسيرات تابعة لها فحسب، بل أن ايران لا تفوت أيضا فرصة كي تظهر مدى سيطرتها على العراق عن طريق تعطيل الحياة السياسيّة فيه. ما نفع العراق في سياق وضع استراتيجية دفاعيّة للمنطقة عندما يكون تحت السيطرة الإيرانيّة؟ 
إضافة إلى ذلك كلّه، يبدو واضحا انّ ايران باتت الطرف الأقوى في سوريا في حين لم يعد من مجال لمناقشة مدى تحكمها بلبنان وبقرار السلم والحرب فيه عبر ميليشيا "حزب الله".
وسط كلّ ما يدور من غرائب في هذا العالم، تبقى ملاحظة أخيرة. تتعلّق هذه الملاحظة بقدرة اميركا على استعادة دور قيادي، كما كانت عليه الحال في العام 1990  عندما تولت التصدي بنجاح للغزو العراقي للكويت. هل يستطيع جو بايدن ان يكون جورج بوش الأب الآخر؟ هل يمتلك مساعدين من طينة وزير الخارجية جيمس بايكر ومستشار الأمن القومي برنت سكوكروفت اللذين كانا إلى جانب بوش الأب وكانا يعرفان حساسيات المنطقة عن ظهر قلب؟
من أوكرانيا إلى ايران، ثمة فرصة امام اميركا للقول انّها عادت بالفعل إلى الشرق الأوسط والخليج على الرغم من ان الوضع الاقتصادي فيها ليس مريحا بالنسبة إلى إدارة بايدن. لكنّ الأكيد انّه، في ظلّ ما يدور على الكرة الأرضية، يوجد مجال لممارسة سياسة أميركية مختلفة عن تلك التي مارسها أمثال جيمي كارتر وباراك أوباما وحتّى دونالد ترامب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أي اميركا عادت إلى المنطقة أي اميركا عادت إلى المنطقة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon