توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عمق رفض الإيرانيين للنظام

  مصر اليوم -

عمق رفض الإيرانيين للنظام

بقلم -خيرالله خيرالله

لم يكن صمت لاعبي المنتخب الإيراني لكرة القدم لدى عزف النشيد الوطني لبلدهم قبل المباراة مع إنكلترا حدثاً عابراً. كان تعبيراً عن عمق الرفض الشعبي لنظام حرم الإيرانيين من أبسط حقوقهم كبشر وفرض ممارسات بعيدة كلّ البعد عن الشعارات التي جعلت الملايين ينتفضون على نظام الشاه طوال العام 1978 تمهيداً لسقوطه في فبراير من العام 1979.

كان سلاح الصمت الذي مارسه لاعبو الفريق الإيراني المشارك في دورة كأس العالم التي تستضيفها قطر، إشارة إلى مدى غضب الشعوب الإيرانية من نظام ليس لديه ما يقدّمه للإيرانيين سوى البؤس والقمع والعزلة عن العالم في ظلّ سعي مستمرّ إلى نقل أزماته الداخليّة إلى خارج حدوده تحت شعار «تصدير الثورة».

كانت لنظام الشاه حسنات كثيرة، خصوصاً في مجال حقوق المرأة والانفتاح على العالم... كما كانت لديه سيئات في ظلّ تحوّله إلى نظام متحجر تجاهل نضالات الشعب الإيراني، منذ بداية القرن العشرين، من أجل نوع من الملكيّة الدستوريّة التي تعتمد دستوراً عصرياً مستوحى من الدساتير الأوروبيّة.

عزل الشاه نفسه عن تطلعات الشعوب الإيرانيّة بدل السعي إلى التفاعل مع هذه التطلعات. كان أفضل دليل على جهل الشاه بما يدور داخل إيران نفسها احتفالات برسيبوليس في أكتوبر 1971.

كانت تلك الاحتفالات الأضخم من نوعها في العالم من حيث الفخامة والبذخ في ذكرى مرور 2500 عام على نشوء الإمبراطوريّة الفارسيّة. أثارت الاحتفالات سخطاً شعبياً في بلد كانت فيه الفروقات بين الطبقات كبيرة وواسعة.

دفعت الشعوب الإيرانيّة ثمن عزلة الشاه محمد رضا بهلوي عن الواقع اليومي للبلد. زادت هذه العزلة في السنوات الخمس الأخيرة من حكمه نتيجة إصابته بمرض السرطان الذي جعله ينكفئ أكثر على نفسه ويتحوّل إلى شخص متردّد يعاني حالاً من الضياع.

لعلّ مضمون كتاب اندرو سكوت كوبر الذي عنوانه «سقوط الجنّة» (The Fall of Heaven) أفضل وصف للوضع النفسي لمحمّد رضا بهلوي الذي أخفى إصابته بمرض السرطان، حتّى عن زوجته الأمبراطورة فرح ديبا.

أكثر من ذلك، لم يعد يستمع إلى نصائح كبار ضباط الجيش والأمن في شأن كيفية التعاطي مع الشارع.

ثمّة كلام كثير عن تلك المرحلة من التاريخ الحديث لإيران، لكنّ ما يجدر التوقف عنده في أيّامنا هذه أنّ الثورة الشعبيّة التي عكسها تصرّف لاعبي المنتخب الوطني في الدوحة تعكس المزاج العام في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 86 مليون نسمة موزعين على شعوب عدّة. تعاني هذه الشعوب من نظام عاجز عن تطوير نفسه، نظام لا علاقة له لا بالديموقراطيّة ولا بحقوق المرأة ولا بكلّ ما هو حضاري في هذا العالم. على العكس من ذلك يعتمد هذا النظام، الذي بات يتحكّم به «الحرس الثوري»، على سياسة الهروب إلى الأمام من زاوية أن طموحه الوحيد يتمثل في المحافظة على نفسه بأي ثمن كان... حتّى لو كان هذا الثمن تحوله إلى كوريا شماليّة أخرى تتلطّى بالسلاح النووي.

إذا كان من درس يمكن استخلاصه من تطورات الوضع الإيراني منذ 16 سبتمبر الماضي، تاريخ وفاة الفتاة الكرديّة مهسا أميني نتيجة التعامل الفظ لشرطة الأخلاق معها، فإن هذا الدرس يتلخّص بأنّ الشعب الإيراني لا يمكن أن يرضخ للنظام القائم.

لا يعني ذلك أنّ التغيير سيحصل اليوم أو غداً، لكنّه يعني أنّ التغيير سيحصل عاجلاً أم آجلاً، لا لشيء سوى لأنّ الشعب الإيراني يشعر بأنّه يستحق الانتماء إلى ثقافة الحياة.

ليس صحيحاً أن الإيرانيين، بأكثريتهم الساحقة، يريدون تحرير القدس. يدرك الشعب الإيراني أن القدس، بالنسبة إلى النظام وأهله ليست سوى تجارة... ومزايدات على الدول العربية لا أكثر.

ضمّت إسرائيل، القدس رسمياً ونقلت أميركا سفارتها في تل أبيب إلى القدس في عهد دونالد ترامب. لم تفعل «الجمهوريّة الإسلاميّة» شيئاً. بل لا تستطيع أن تفعل شيئاً.

بدل تدمير إسرائيل، لجأت إلى تدمير سورية والعراق ولبنان واليمن... وكادت أن تدمّر البحرين لولا وقوف دول الخليج إلى جانبها.

كلّ ما يمكن قوله إن مزاج الشعب الإيراني تغيّر. فقد النظام هيبته في ضوء عجزه عن القيام بأي إصلاح داخلي على أي صعيد كان.

لا يشبه النظام الإيراني الذي يسمّي نفسه «الجمهوريّة الإسلاميّة» غير النظام السوفياتي الذي قام في العام 1917 وانتهى رسمياً مطلع العام 1992.

ليس صحيحاً أن النظام السوفياتي لم يسع إلى إنقاذ نفسه. في الواقع، حاول ذلك، مباشرة بعد وفاة العجوز قسطنطين تشيرنينكو الأمين العام للحزب الشيوعي والإتيان بميخائيل غورباتشوف مكانه في العام 1985.

اكتشف غورباتشوف أنّ لا أمل في إصلاح النظام وإعادة تأهيله على الرغم من كلّ المحاولات التي بذلها معتمداً على نظريتي «غلاسنوست»، أي الشفافيّة و«بيريسترويكا» أي الإصلاحات الهيكلية.

لم تنفع الشفافية ولم تنفع الإصلاحات. المسألة في إيران الآن، ليست مسألة حرية وضع الحجاب وكيفية وضعه.

المسألة مسألة شعب، يمتلك حضارة قديمة، يريد تقرير مصيره بعيداً عن سطوة «الحرس الثوري» ورجال دين متزمتين لا يعرفون شيئاً عن العالم.

المسألة، أيضاً، مسألة نظام مفلس لم يعد لديه ما يقدّمه لإيران والإيرانيين ولا لمحيطه ولا للعالم.

الأكيد أنّ إدارة جو بايدن مازالت ترفض الاعتراف بأنّ إيران تشهد ثورة شعبيّة حقيقيّة. فوق ذلك، ترفض هذه الإدارة الاعتراف بعمق العلاقة والمصالح المتبادلة بين فلاديمير بوتين و«الحرس الثوري» بعدما ظهر ذلك جليّاً من خلال الدعم العسكري الإيراني للرئيس الروسي في حربه على أوكرانيا وشعبها.

مثل هذا التجاهل الأميركي للحدث الإيراني يلقي مسؤوليات أكبر على الشعب الإيراني في مواجهة نظام لا ردّ لديه سوى اللجوء إلى القتل والقمع، خصوصاً عندما يستفزّه هتاف «امرأة، حياة، حرّية» ويظهر عليه الخوف من مثل هذا النوع من الهتافات!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عمق رفض الإيرانيين للنظام عمق رفض الإيرانيين للنظام



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon