منذ صدور البيان الثلاثي السعودي - الصيني - الإيراني في السادس من مارس الماضي، لم يحصل أي تغيير يُذكر على صعيد السلوك الإيراني باستثناء احتمال حصول عملية تبادل للأسرى في اليمن تشمل شخصيات يمنيّة معروفة.
يُتوقع تنفيذ عملية تبادل الأسرى قبل نهاية شهر رمضان، أي نحو منتصف أبريل الجاري.
ليس مستبعداً إتمام العمليّة بنجاح، لكن الأيّام وحدها ستظهر ما إذا كانت هناك رغبة إيرانية في تحريك الوضع اليمني في مجمله، وهو وضع يقلق المملكة العربيّة السعوديّة ويعتبر بين الأولويات بالنسبة إليها.
ليس ما يوحي، على الرغم من الكلام المنمّق الذي يصدر عن مسؤولين في طهران، باهتمام ايران بتسوية سياسية شاملة في اليمن تجعل من هذا البلد بلداً طبيعياً على غرار ما كان عليه قبل سقوط نظام الراحل علي عبدالله صالح في فبراير من العام 2012.
جاء الاتفاق في شأن عملية تبادل الأسرى بين الحوثيين و«الشرعيّة» بعد محاولة أخيرة لـ «جماعة أنصار الله» تستهدف فرض أمر واقع. أراد الحوثيون إظهار أنّ لديهم هامشاً واسعاً للمناورة وأنّهم ما زالوا قادرين على اتخاذ المبادرة على الأرض.
تمثلت تلك المحاولة في السعي إلى اغتيال وزير الدفاع اليمني ورئيس الأركان ومحافظ تعز.
لم تنجح المحاولة، لكنها أثبتت أنّ النيات الحوثيّة غير صافية.
ثمة كلام غير أكيد عن ضغوط تمارسها «الجمهوريّة الإسلاميّة» على الحوثيين (جماعة أنصار الله) كي يلتزموا المطلوب منهم إيرانياً في هذه المرحلة.
يطرح ذلك سؤالا معقدا، لكنّه في غاية البساطة في الوقت ذاته: هل «جماعة أنصار الله» قادرة على شنّ أي عملية تستهدف اغتيال مسؤولين كبار في «الشرعيّة» من دون إذن إيراني، خصوصا أن طائرات مسيّرة استخدمت في تلك العملية في منطقة قريبة من تعز؟
تبدو الأمور في اليمن وكأنّها تسير في اتجاه هدنة. مثل هذه الهدنة ستريح السعوديّة حتماً.
لكن ماذا بعد الهدنة في اليمن؟ ماذا تعني هذه الهدنة في ما يخص السلوك الإيراني في هذا البلد؟
بكلام أوضح، هل يمكن لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» اعتماد التهدئة في اليمن واللجوء إلى التصعيد في أماكن أخرى مثل العراق وسورية ولبنان على وجه التحديد؟
مرّة أخرى، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مهلة الشهرين، التي أعطيت في البيان الثلاثي لمعاودة العلاقات الديبلوماسية السعوديّة - الإيرانية، لم تكن عن عبث.
ثمّة حاجة إلى بعض الوقت لمعرفة مدى جدّية «الجمهوريّة الإسلاميّة» في تعاطيها مع ما ورد في نص البيان الثلاثي عن «احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخليّة».
الأكيد أن التغيير في السلوك الإيراني في اليمن لن يكون كافياً. ليس الموضوع موضوع هدنة يمنيّة فقط.
الأكيد أن اليمنيين، جميع اليمنيين في حاجة إلى مثل هذه الهدنة في ضوء المعاناة الإنسانية الكبيرة لشعب يشكو من الفقر والجوع والمرض.
يكفي التفكير فقط بأهالي صنعاء وما يعانون منه بسبب الحوثيين الذين لا تشبه تصرفاتهم، خصوصاً تجاه المرأة والتعليم في المدارس والجامعات، سوى تصرفات «طالبان» في أفغانستان.
من يعرف أهالي صنعاء المسالمين، الذين يهمّهم أوّل ما يهمّهم العيش في ظروف آمنة وتأمين مستقبل أولادهم، يستطيع أن يتصوّر الظلم اللاحق بهم في ضوء الممارسات الحوثية والإصرار على تغيير طبيعة المجتمع.
يتعرّض أهالي صنعاء لكلّ أنواع القهر، بدءا بالتجنيد الإجباري لأولاد لم يبلغوا بعد سنّ المراهقة.
يتعرّض هؤلاء الأولاد، الذين يرسلون إلى جبهات القتال، لغسل أدمغتهم عن طريق غرس الخرافات فيها.
فوق ذلك كلّه، توجد في مناطق سيطرة «جماعة أنصار الله»، في صنعاء والمحافظات القريبة منها، خوات تفرض على كلّ من يمارس أي نشاط تجاري.
ثمّة معلومات موثوق بها عن سعي الحوثيين إلى تدمير جزء من صنعاء القديمة بغية تغيير معالم إحدى أقدم المدن العربية ومن بين الأكثر عراقة.
يحتاج المواطن اليمني، في أي منطقة يمنيّة، أوّل ما يحتاج إلى التقاط أنفاسه.
لا يمكن إلّا الترحيب بالهدنة، أي هدنة، ولكن ماذا بعد الهدنة؟
الجواب عن هذا السؤال مليء بالمخاوف، لا لشيء سوى لأنّ ليس ما يشير، أقلّه إلى الآن، إلى رغبة إيرانيّة في التخلي عن الورقة اليمنية، تماماً مثلما لا توجد رغبة لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة» في التخلي عن الورقة العراقيّة أو السوريّة أو واللبنانيّة.
يؤكّد ذلك غياب أي مؤشرات إلى التوجه تحو تسوية سلميّة ذات طابع شامل يكون الحوثيون جزءاً لا يتجزّأ منها.
مثل هذه التسوية لا يجوز أن تعني، في حال كان مطلوباً أن تكون قابلة للحياة، تكريس قيام كيان سياسي وعسكري في الشمال اليمني ليس في واقع الحال سوى قاعدة صواريخ ومسيّرات ومدافع إيرانيّة من كلّ العيارات.
سيبقى اليمن حقل الاختبار الأوّل لإيران. سيكشف اليمن ما إذا كانت ايران ستتغيّر نحو الأفضل أم تظل متمسكة بمشروعها التوسعي. ستعطي «الجمهوريّة الإسلاميّة» القليل في اليمن كي تظهر حسن نيّة غير موجودة، إلى إشعار آخر.
ستفعل ذلك كي تبقى ممسكة بأوراقها العراقيّة والسوريّة واللبنانيّة في ما تعتبره مواجهة مع «الشيطان الأكبر» الأميركي.
ما قد يساعد ايران في ممارسة هذه اللعبة كونها في حلف سرّي مع الإخوان المسلمين في اليمن.
كان هذا الحلف وراء سقوط صنعاء في 21 سبتمبر 2014، كذلك كان هذا الحلف وراء بقاء تعز محاصرة... وكان وراء صفقات عدة بين الجانبين بعضها من فوق الطاولة وبعضها الآخر من تحتها.
هل يمكن الذهاب إلى أبعد من هدنة في اليمن، هذا إذا نجحت عملية تبادل الأسرى في غضون أسبوعين أو ثلاثة؟
سيعتمد الكثير على مقاربة جديدة تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى معرفة مدى قدرة ايران على التزام ما ورد في البيان الثلاثي من جهة ومدى قدرة الصين وجديتها من جهة أخرى.