توقيت القاهرة المحلي 02:14:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأكثريّة السُنّية... لب الأزمة السوريّة

  مصر اليوم -

الأكثريّة السُنّية لب الأزمة السوريّة

بقلم - خيرالله خيرالله

ترافق لجوء النظام السوري إلى القمع في مواجهة ثورة شعبيّة حقيقيّة مستمرة منذ ما يزيد على اثني عشر عاماً، مع عملية تغيير للواقع الديموغرافي في البلد. كان اندلاع الثورة فرصة لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» كي تدخل على خط إعادة رسم خريطة سورية من منطلق واضح كلّ الوضوح.

يتمثل هذا المنطلق في تدجين الأكثرية السنّية التي سعت باستمرار إلى التخلص من النظام العلوي الذي استطاع حافظ الأسد بناءه ابتداء من العام 1970. ليست مجزرة حماة في فبراير من العام 1982سوى تعبير عن استمرار تلك المحاولات في بلد وضع فيه العلويون يدهم على مفاصل الدولة ابتداء من 23 فبراير 1966، عندما نفّذ الضباط الكبار في الطائفة (محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد) انقلابهم العسكري.

مهّد ذلك الانقلاب، الذي غطاه شعار الانتماء إلى حزب البعث، احتكار الأسد الأب للسلطة بعد «الحركة التصحيحيّة» في 16 نوفمبر 1970. انتظر الأسد الأب بضعة اشهر كي يصبح أول رئيس علوي لسورية في فبراير من العام 1971. امتلك ما يكفي من الذكاء والدهاء والحذر كي يتأنّى في الإقدام على هذه الخطوة بعدما أحاط نفسه بشخصيات سُنّية كي يوحي بأن النظام ليس علوياً، بل لديه جذوره السُنّية، خصوصاً في الريف.

تغيّرت أمور كثيرة في سورية منذ صار حافظ الأسد رئيساً استطاع توريث نجله بشّار. ما لم يتغيّر هو الخوف الدائم لدى النظام من الأكثريّة السُنّية. اللافت الآن، عند الكلام عن عودة اللاجئين إلى سورية، أنّ ثمّة معركة أخرى يخوضها النظام للبقاء على قيد الحياة على حساب الأكثريّة السنّية. يعلم بشّار الأسد لأن عودة اللاجئين السوريين من تركيا تعني عودة ثلاثة ملايين سني «معارض» إلى البلد.

هؤلاء يشكلون خطراً على النظام، لا لشيء لأنّ تلك العودة مرتبطة، بطريقة أو بأخرى، بتنفيذ القرار الرقم 2254، الصادر عن مجلس الأمن في أواخر العام 2015.

يتحدث القرار عن «مرحلة انتقاليّة» في سورية تليها انتخابات «حرة» تشرف عليها الأمم المتحدة. كيف لنظام أقلّوي، مكروه من أكثرية شعبه، البقاء على قيد الحياة في مثل هذه الحال؟

لن تتوقف عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم عند تركيا فقط. في حال حصول مثل هذه العودة المرفوضة من النظام أساساً، ستقوم دول أخرى كلبنان والأردن باتباع الطريقة التركيّة نفسها والدفع بالعودة «القسرية» للسوريين إلى بلدهم.

ستُشكل مثل هذه العودة ضغطاً هائلاً على مؤسسات الدولة السورية المتداعية أصلاً.

من المرجح أن تتسبّب بمشاكل اقتصادية واجتماعية وتتحوّل لاحقاً وبشكل سريع إلى مشاكل أمنية تشكل خطراً حقيقياً على نظام الحكم القائم.

سيحصل ذلك في وقت، فقد النظام الكثير من مرتكزات وجوده، خصوصاً أدواته القمعيّة المتمثلة بالأجهزة الأمنيّة المتعددة التي أقامها حافظ الأسد والتي كان كلّ جهاز منها يراقب، من ضمن مهماته، الجهاز الآخر.

ستعني عودة اللاجئين تدمير مخطط التغيير الديموغرافي الذي ينفّذه النظام. استخدم النظام السوري النزوح والتهجير والإتيان بسكان من خارج سورية وتجنيسهم بغية تحويل مراكز وجوده إلى بيئة مؤيدة حاضنة له.

مَنْ يتذكّر كلام بشار الأسد في أحد خطاباته عن «البيئة السورية المتجانسة».

لم يخف يوماً سعيه إلى إيجاد مثل هذه البيئة وعينه دائماً على الأكثرية السُنّية التي جعلت والده كارها للمدن الكبرى مثل دمشق وحمص وحماة وحلب... وحاقداً عليها.

إضافة إلى ذلك كلّه، تعني عودة اللاجئين السوريين المسلمين السُنّة أيضاً وضع حدّ للمشروع الإيراني الخاص بسورية، وهو مشروع قائم على عملية التغيير الديموغرافي التي تعني فرض الوجود الإيراني في سورية، وتكريس النفوذ الذي تمارسه «الجمهوريّة الإسلاميّة».

الأهم من ذلك كلّه، يعرف النظام في دمشق أن عودة اللاجئين تحتاج إلى أموال طائلة وهذه الأموال ستأتي حصراً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي الغربي الذي جعل من تنفيذ القرار الدولي 2254 شرطاً رئيسياً لتمويل العودة وإعادة الإعمار.

يعرف النظام السوري جيداً أنّ تنفيذ القرار 2254 لا يُمكن أن ينتهي بغير تغيير النظام.

في ظلّ هذه المعطيات، التي عمرها عشرات السنين، أي منذ انقلاب 1966 ثم تولي حافظ الأسد السلطة، تبدو أزمة سورية أزمة عميقة ومركّبة في آن.

تبدو أيضاً أزمة من النوع الذي لا حلّ له من دون تغيير في موازين القوى في المنطقة تعيد إيران إلى حجمها الحقيقي.

ما لا يُمكن تجاهله هو الدور الذي لعبته «الجمهوريّة الإسلاميّة» في المحافظة على بشّار الأسد وإن ضمن حدود دمشق ومحيطها. لن تنفع عودة «الجمهوريّة العربيّة السوريّة» إلى مقعدها في جامعة الدول العربيّة في شيء ما دامت إيران تمسك بالنظام الذي يعرف أنّ لا وجود له من دونها.

في النهاية، كان قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الذي اغتاله الأميركيون بعيد خروجه من مطار بغداد في الثالث من يناير 2020، وراء إقناع فلاديمير بوتين بإرسال قوات إلى سورية في خريف العام 2015 لمنع انهيار النظام وسقوط الساحل السوري، حيث الكثافة السكانيّة العلويّة، في يد المعارضة.

وقتذاك، كانت دمشق نفسها مهددة على الرغم من استخدام بشار السلاح الكيمياوي في حربه على شعبه صيف العام 2013.

جاء بوتين بطائراته إلى قاعدة حميميم قرب اللاذقية وانقذ النظام. كيف استطاع قاسم سليماني إقناعه بالتدخل وما الثمن الذي دفعته «الجمهوريّة الإسلاميّة» كي يقبل الرئيس الروسي بإرسال قوات إلى سورية؟ سيأتي من دون شك اليوم الذي ستتوافر فيه أجوبة عن هذين السؤالين.

يبقى في نهاية المطاف أنّ الحرب على الأكثرية السُنّية في سورية مستمرة.

هذه الحرب التي بدأت في 1966 أخذت بعداً آخر في العام 2011 مع اندلاع الثورة السوريّة.

إلى إشعار آخر، سيظل القضاء على الأكثريّة السُنّية لبّ الأزمة السورية ومحورها.


 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأكثريّة السُنّية لب الأزمة السوريّة الأكثريّة السُنّية لب الأزمة السوريّة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا
  مصر اليوم - نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 21:40 2019 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

هزة أرضية بقوة 6.5 درجات تضرب إندونيسيا

GMT 02:54 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

خبراء يكشفون عن مخاطر تناول العجين الخام قبل خبزه

GMT 23:10 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

نادي برشلونة يتحرك لضم موهبة "بالميراس"

GMT 07:26 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

حسابات التصميم الداخلي الأفضل لعام 2019 عبر "إنستغرام"

GMT 06:56 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

أب يُصاب بالصدمة بعدما استيقظ ووجد ابنه متوفيًا بين ذراعيه

GMT 11:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تشيزني يبيًن ما دار مع رونالدو قبل ركلة الجزاء هيغواين

GMT 09:16 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

زوجة المتهم بقتل طفليه "محمد وريان" في المنصورة تؤكد برائته

GMT 17:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

فستان ياسمين صبري يضع منى الشاذلي في موقف محرج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon