توقيت القاهرة المحلي 14:09:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"الحياد" الاوكراني على طاولة بوتين

  مصر اليوم -

الحياد الاوكراني على طاولة بوتين

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

ذهب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيدا في المكابرة. لم يعد يعتقد انّه قيصر روسيا المقيم في الكرملين فحسب، بل يعتقد ايضا أنّه قيصر العالم. سيتمكن بوتين، على الارجح، بفضل ما يمتلكه من قوّة ناريّة من تدمير أوكرانيا وتشريد ملايين الاوكرانيين، تماما كما حصل في سوريا حيث شارك بشّار الأسد وإيران في الحرب على شعبها المستمرّة منذ أحد عشر عاما.

لدى بوتين أهدافه في أوكرانيا وهو مصرّ على دخول كييف. يسعى الى فرضها على الاوكرانيين وعلى العالم. يريد وضع أوكرانيا تحت الوصاية الروسيّة. تكمن مشكلة الرئيس الروسي في انّه يخلط، على الرغم من امتلاكه الصواريخ والقنابل النووية، بين القوّة العسكريّة والسياسة. يظنّ ان لديه ما يكفي من القوة العسكرية ما يسمح له بتنفيذ السياسة التي يؤمن بها مع ما يعنيه ذلك من وضع اليد على اوكرانيا. لا يدري انّه كان في استطاعته، بمجرد حشد جيوشه على الحدود الروسيّة الاوكرانيّة، التفاوض، من مركز قوّة، مع الاوكرانيين أنفسهم ومع قوى أوروبية مؤثّرة وحتّى مع الإدارة الاميركيّة من اجل التوصل الى ضمانات معيّنة كان يبحث عنها.

تظلّ التسويات السياسية اقلّ كلفة من الحرب. هذا ما لم يدركه في الماضي عقل مثل عقل صدّام حسين لم يتخيّل في ايّ لحظة معنى اجتياح الكويت وجعلها المحافظة العراقيّة الـ19. لم يقدّر، في العام 1990، اهمّية الكويت بالنسبة الى العالم والمنطقة وأنّ ليس مسموحا للعراق التحكّم بثروته النفطية وثروة الكويت في الوقت ذاته. لم يكن صدّام يعرف العالم او التوازنات في المنطقة. لم يعِ انّ ضمّ الكويت سيعني تهديدا لكلّ دولة من دول المنطقة، بما في ذلك المملكة العربيّة السعوديّة. هذا ما يفسّر ردّ فعل هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني وقتذاك. ردّ رفسنجاني على رسالة بعث بها اليه صدّام، طالبا دعم "الجمهوريّة الاسلاميّة" بعيد اجتياحه الكويت، بقوله: "... امّا شرف منازلة الشيطان الأكبر (اميركا) في الكويت، فإنّنا نتركه لكم". كان مبعوثا الرئيس العراقي الراحل الى رفسنجاني طارق عزيز وبرزان التكريتي (الأخ غير الشقيق لصدّام). ابلغني برزان شخصيّا وبالتفاصيل الدقيقة لما دار بين طارق عزيز وبينه في اللقاء الطويل مع رفسنجاني.

على الرغم من وجود فروقات كبيرة بين أوكرانيا والكويت، وعلى الرغم من انّ روسيا دولة نوويّة، يظلّ أنّ ما ينطبق على صدّام ينطبق، الى حدّ ما، على فلاديمير بوتين الذي لم يقدّر ردّ الفعل الأوروبي على غزوة أوكرانيا. ثمّة أمور كثيرة أخرى لم يقدرها الرئيس الروسي الذي يعيش في عالم وهمي صنعه لنفسه، على غرار العالم الوهمي الذي حصر بشّار الأسد نفسه فيه وجعله غير مدرك لما حلّ بسوريا والسوريين والابعاد المترتبة على تدمير المدن السوريّة وتمكّن إيران من اجراء تغييرات ديموغرافية ذات طابع مذهبي في غير منطقة، خصوصا في محيط دمشق وعلى طول الحدود السوريّة مع لبنان. أكثر من ذلك، لم يستوعب بشّار الأسد ان بلده تحت خمسة احتلالات، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي للجولان والوجود العسكري الروسي بشكل قواعد عسكريّة في حميميم، قرب اللاذقيّة، وطرطوس.

عاجلا ام آجلا، سيجد فلاديمير بوتين نفسه مضطرا للاعتراف بأنّ لدى روسيا التي حجم اقتصادها دون حجم الاقتصاد الإيطالي، نقاط ضعف كثيرة. لا تقتصر هذه النقاط على الاعتماد الكلّي للاقتصاد فيها على النفط والغاز وتصدير السلاح، بل أنّ المجتمع الروسي نفسه صار عجوزا ويعاني من ترهّل لا تعاني منه ايّ دولة أخرى في العالم. فوق ذلك كلّه، تعاني روسيا من تدهور في مجال التغوّل في الاعتداء على الطبيعة من اجل استخراج الثروات الموجودة في باطن الأرض.

ما لا بدّ من ملاحظته أيضا، انّ أصحاب الثروات الكبيرة في روسيا، وبينهم عدد كبير من اليهود المنتمين الى الحلقة المحيطة بالرئيس الروسي، يبحثون حاليا عن طريقة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. يبحث هؤلاء عن تسوية معقولة ومقبولة نظرا الى أنّ لديهم مصالح ضخمة وعلاقات دوليّة متشعبة بعيدا عن أوهام بوتين وجنونه.

يدرك رجال الاعمال الروس الكبار، من أصحاب المليارات الذين لديهم أيضا مصالح مع رجال اعمال اوكرانيين انّ التسوية ضروريّة وانّ كلمة السرّ هي كلمة "الحياد". هل يقبل بوتين بصيغة تحيّد أوكرانيا ام يستمرّ في مشروعه التدميري الذي جعل كلّ دولة اوروبيّة، بما في ذلك إيطاليا البعيدة وحتّى سويسرا، تشعر بأنّ شبح ادولف هتلر عاد وان القارة العجوز تعيش مرحلة صعود النازيّة في السنوات التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانيّة منتصف ثلاثينات القرن الماضي؟

لدى الرئيس الروسي ما يدافع به عن موقفه من منطلق ان الغرب لم يحترم، مع انتهاء الحرب الباردة، تعهداته بالنسبة إلى تمدّد حلف شمال الأطلسي (ناتو) الى حدود روسيا. لكنّ الرد على اخلال الغرب بتعهداته لا يمكن ان يأخذ، في القرن الواحد والعشرين، شكل عمل عدواني يزيل دولة مثل أوكرانيا من الوجود ويهجّر قسما كبيرا من شعبها.

يقول المنطق انّ ثمة حاجة الى تسوية تقوم على "الحياد" الاوكراني. تبدو صيغة التسوية مطروحة على الطاولة امام بوتين الذي يفترض به إدراك انّ ما حصل من ردّ فعل في أوروبا كان انقلابا بكلّ معنى الكلمة. تشعر أوروبا بانّها صارت مهدّدة وانّ ما كان مسموحا وما لا يزال مسموحا به للرئيس الروسي في سوريا، ليس مسموحا في اوكرانيا. في سوريا، جرّب فلاديمير بوتين كلّ أنواع أسلحته بالشعب السوري.

بكلام أوضح، أوكرانيا، مسألة حياة او موت بالنسبة الى أوروبا التي ترى نفسها في حاجة هي الأخرى الى تسوية تغني عن مواجهة ستكلّفها، كما ستكلّف الكون، الكثير في عالم تخلت فيه الولايات المتحدة، حيث توجد إدارة حائرة، عن موقع القيادة وتبدو متجهة الى صفقة مع إيران ليس معروفا ما الذي سيكون تأثيرها على حلفائها في المنطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحياد الاوكراني على طاولة بوتين الحياد الاوكراني على طاولة بوتين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 10:55 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حمادة هلال يتخطّى أحزانه بحفل ضخم في "موسم الرياض"
  مصر اليوم - حمادة هلال يتخطّى أحزانه بحفل ضخم في موسم الرياض

GMT 09:24 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
  مصر اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 06:00 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أحداث الحلقة 39 من مسلسل عروس بيروت

GMT 23:26 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

مركز "معلومات الوزراء" يعلن موعد بدء الفصل الدراسي الثاني

GMT 19:44 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

هيكتور كوبر يحدّد أول شباط لقيادة منتخب مصر

GMT 05:19 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

بيكربونات الصوديوم تساعد على الولادة الطبيعية

GMT 02:20 2015 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

إكسسوارات مميزة تحمل أسماء مختلفة لأناقة بارزة ومميزة

GMT 02:13 2015 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

مدير "سردار" يكشف عن إطلاق فروع جديدة

GMT 01:11 2015 الثلاثاء ,27 كانون الثاني / يناير

السيطرة على مشاجرة بين مساجين في مركز شرطة "بلبيس"

GMT 04:06 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

سارة الشامي تؤكّد سعادتها بنجاح دورها في مسلسل "كلبش"

GMT 02:24 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مدير أمن المنوفية يتفقد مركز تدريب الشرطة في قويسنا

GMT 07:02 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا يجب أن تتجنب الأمهات الجدد علاج الشعر بـ"الكيراتين"

GMT 19:41 2021 الثلاثاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"رولز رويس كولينان" تحصل على نسخة مدرعة مقاومة للانفجارات

GMT 05:34 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

درة تكشف عن رأيها في الزواج عن طريق الإنترنت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon