توقيت القاهرة المحلي 23:33:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوباما... بعين واحدة

  مصر اليوم -

أوباما بعين واحدة

خيرالله خيرالله

سعى الرئيس باراك أوباما في مقابلة مع “نيويورك تايمز” إلى تسويق الاتفاق الأولي مع إيران في شأن ملفّها النووي.

كان واضحا أنّ همّه الأوّل والأخير طمأنة إسرائيل لجهة أن الولايات المتحدة حصلت من إيران على كلّ الضمانات التي تجعل منها عاجزة تماما عن الحصول على السلاح النووي في يوم من الأيّام. قال لتوماس فريدمان الذي أجرى معه الحوار أن الاتفاق – الإطار الذي تمّ التوصّل إليه يعتبر “أفضل طريقة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي” مضيفا “إذا اقترب أحد من إسرائيل، نحن هنا”.

لم يترك أوباما مجالا لأدنى شك في التزامه الدفاع عن إسرائيل وضمان أمنها. شدّد غير مرّة على أن أميركا تمتلك من القوّة ما يجعلها قادرة على “ردع” إيران. أشار إلى أنّ الموازنة الدفاعية لبلاده تبلغ ستمئة مليار دولار، في حين أنّ الموازنة الدفاعية لإيران في حدود ثلاثين مليار دولار فقط. أراد القول أن في استطاعة الولايات المتحدة، بما تملكه من إمكانات عسكرية، زجر إيران في كلّ وقت.

فوق ذلك كلّه، قلّل أوباما من أهمّية الخلاف القائم بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، مركّزا على أن وجود مثل هذا الخلاف شيء، وضمانه لأمن إسرائيل وحرصه عليها شيء آخر. اعترف بوجود مثل هذا الخلاف الذي بدأ يتخّذ طابعا شخصيا، لكنّه لم يترك أي مجال لأيّ شك بأنّ الولايات المتحدة إنّما توصلت إلى الاتفاق مع إيران من أجل إسرائيل وخدمة لها، نظرا إلى أن لا وسيلة أخرى للحؤول دون امتلاك إيران القنبلة النووية.

بشكل عام، كان الحديث موجّها إلى إسرائيل وكيف يجعلها تتقبّل الاتفاق الذي يمهّد لعلاقات طبيعية بين طهران وواشنطن. ولكن ماذا عن الموقف العربي العام من الاتفاق؟ وماذا عن الموقف الأميركي من إيران التي يبدو واضحا أنّ أوباما معجبا بها كلّ الإعجاب؟ بدا معجبا بها إلى حدّ إيراده عبارة عن غياب الرغبة الأميركية في تغيير النظام. وهذا شرط من شروط إيران من أجل التطبيع مع “الشيطان الأكبر”.

لعلّ أخطر ما في الحديث انكشاف الرئيس الأميركي مرّة أخرى. ما انكشف كان جهله التام بالمنطقة وحضارتها وتاريخها الحديث والقديم. بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، هناك مشكلة عربية، في حين لا توجد مشكلة إيرانية من أي نوع كان. إيران، بنظامها الحالي دولة حضارية بكلّ المقاييس. لم ينس أوباما وضع إيران في مستوى الولايات المتحدة قائلا أنّه “علينا الاعتراف بأن إيران بلد معقّد، مثلها مثل الولايات المتحدة”، مشيرا إلى الإشارات المشجعة التي تصدر عن إيران، بما في ذلك انتخاب روحاني رئيسا للجمهورية.

حيّا الرئيس الأميركي التوجه الإيراني إلى الانضمام إلى المجتمع الدولي وحركة الاقتصاد في العالم. كلّ شيء في إيران يسير نحو الأفضل بالنسبة إلى أوباما. لا وجود لميليشيات إيرانية في لبنان، ولا لميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وإيرانية تحارب في سوريا وتقتل الشعب السوري، بناء على طلب طهران.

كلّ شيء جميل في إيران، بما في ذلك ما ترتكبه يوميا في العراق حيث ميليشيات تابعة لها تثير الغرائز المذهبية وتنفّذ عمليات تطهير عرقي في حقّ أهل السنّة العرب.

لم يسمع أوباما بما حصل في تكريت، المدينة التي يقطنها السنّة العرب والتي ذنبها الوحيد أنّ اسمها ارتبط بصدّام حسين. لم يسمع بدور إيران والنظام السوري في خلق “داعش” من أجل طرد الأميركيين من العراق بعد خوضهم حربا كلّفتهم أربعة آلاف قتيل من أجل تحويل العراق إلى مجرّد مستعمرة إيرانية.

لم يبلغ أوباما أي شيء عمّا يعانيه لبنان الذي لا يزال دون رئيس للجمهورية منذ عشرة أشهر ونصف الشهر لأنّ إيران تصرّ عبر الميليشيا المذهبية التابعة لها والمسمّاة “حزب الله” على تغيير النظام في البلد وفرض المثالثة بين الشيعة والسنّة والمسيحيين، بدل المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، كما جاء في اتفاق الطائف.

يتعامى أوباما عن الدور الإيراني في اليمن. لا وجود للحوثيين. الحوثيون هبطوا من السماء ولم يتلقوا يوما أيّ دعم إيراني من أيّ نوع كان. “أنصار الله”، وهو الاسم الذي بات الحوثيون يعرفون به، جاء عن طريق الصدفة. الأكيد أن إيران لم تزوّد هؤلاء بالمال ولا بالسلاح.

بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، كلّ ما هو مطلوب أن تفهمه الدول العربية أن مشكلتها داخلية ولا علاقة لها بإيران. على العكس من ذلك، على الدول العربية الدخول في حوار مع إيران وسيساعدها في ذلك. لم يسمع بعد بأنّ إيران لا تحاور العرب، بل تفرض شروطها عليهم بقوة السلاح الميليشيوي والمذهبي.

إيران تستثمر في كلّ ما هو مذهبي من أجل تفتيت المجتمعات العربية. هل يستطيع الرئيس الأميركي تفسير الدعم الإيراني للنظام السوري؟ هل من سبب آخر غير السبب المذهبي، ذي الامتداد اللبناني، لهذا الدعم؟

يريد أوباما معالجة المشاكل الداخلية في الدول العربية “كي يشعر الشباب السنّي بأن لديه خيارا آخر غير الدولة الإسلامية”. نعم، هناك مشاكل ضخمة داخل المجتمعات العربية.

في مقدّمة هذه المشاكل التطرّف والجهل. لا مفرّ من مواجهة هذا الواقع العائد إلى غياب البرامج التربوية المتطورة ذات العلاقة بالعصر. لكنّ هناك دولا خليجية عدة تعمل على مواجهة هذه المشكلة بشجاعة دون أيّ عقد من أيّ نوع.

ولكن هل المجتمع الإيراني بعيد عن التطرّف؟ لنفترض أنّ إيران دولة مثالية، بل الجمهورية الفاضلة، ماذا عن ميليشياتها وممارساتها في غير منطقة عربية بما خلق حاضنة لـ“داعش” وغير “داعش”؟

لا يرى أوباما سوى بعين واحدة. قد يكون ذلك عائدا إلى المحيطين به الذين يعتقدون أن العرب شعوب متخلّفة، وأن لا رهان أميركيا إلا على إيران التي يرى فيها مستقبل المنطقة.

يتجاهل أن نصف الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر، لأن أموال إيران تصرف على الميليشيات المذهبية وعلى توتير الوضع في بلد مسالم كالبحرين مثلا. يتجاهل أوباما أيضا أنّ الدواعش الشيعية لا تقلّ خطورة عن “داعش” السنّية. الفارق الوحيد أن لا وجود لأي دولة عربية تستثمر في “داعش”، على خلاف ما تدعيه إيران.

الأكيد أنّه ليس بالنظر إلى الشرق الأوسط بعين واحدة يمكن تسويق الاتفاق النووي مع إيران. يمكن تسويق الاتفاق إسرائيليا ويمكن تسويقه إيرانيا، كما يمكن تسويقه أميركيا، أمّا تسويقه عربيا، فهذا من رابع المستحيلات. لا لشيء سوى لأنّ للعرب عموما، مشكلة من نوع آخر مع إيران. الملف النووي جزء من هذه المشكلة. الجزء الآخر الأهمّ رهان إيران على أن الغرائز المذهبية ستجعلها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط على حساب كلّ ما هو عربيّ فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما بعين واحدة أوباما بعين واحدة



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon