توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إلى هذا الحدّ تغيّرت السعودية…

  مصر اليوم -

إلى هذا الحدّ تغيّرت السعودية…

خيرالله خيرالله

أعطت التغييرات الأخيرة في المملكة العربية السعودية على صعيدي وليّ العهد ووليّ وليّ العهد، فكرة عن مدى قدرة النظام على تطوير نفسه بمرونة كبيرة ومن دون عقد.
أعطت أيضا فكرة عن كيفية الانتقال بالمملكة إلى مرحلة جديدة بعيدا عن الأقاويل التي تبقى أقاويل والتي تصدر عن عدد لا بأس به من المستشرقين، بينهم من لم تطأ رجلاه أرض المملكة يوما… وبينهم من أمضى فيها فترة طويلة. ولكن ما العمل عندما يبقى المستشرق مستشرقا، حتّى بعدما يكون مكث فترة في بلد ما، وصار يعتبر نفسه خبيرا من الدرجة الأولى فيه؟

يدلّ الانتقال إلى الجيل الثالث، عبر الأمير محمد بن نايف الذي صار وليّا للعهد مكان الأمير مقرن بن عبدالعزيز، على العبور السلس إلى مرحلة الملوك الذين ينتمون إلى هذا الجيل. سيكون سلمان بن عبدالعزيز، أطال الله عمره، آخر ملك من بين أبناء المؤسس.

الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ المملكة أظهرت أن الرهانات على أن تجربة الاتحاد السوفياتي ستتكرّر في السعودية، ليست في مكانها. فقد تجاوزت السعودية، في عشر سنوات، وفاة ملكين هما فهد بن عبدالعزيز وعبدالله بن عبدالعزيز وولين للعهد هما سلطان بن عبدالعزيز ونايف بن عبدالعزيز. لم يحصل أيّ فراغ من أيّ نوع كان ولا حالة من الإرباك. على العكس من ذلك، أمسك الملك سلمان بزمام الأمور ودفع دفعا في اتجاه الانتقال إلى الجيل الثالث مباشرة في تجاوز للأمير مقرن الذي فضّل الابتعاد في الوقت المناسب.

هذا لا يعني أيّ مسّ بقدرات الأمير مقرن، أصغر أبناء عبدالعزيز الذين ما زالوا على قيد الحياة، لكنّ الرجل يعرف تماما أين يقف ولماذا صار في مرحلة معيّنة وليّا لوليّ العهد قبل أن يصبح وليّا للعهد، ولكن من دون أيّ حقيبة وزارية مهمّة أو حصة في الحكومة، في عهد سلمان بن عبدالعزيز.

امتلك الأمير مقرن ما يكفي من المروءة والوعي السياسي والوطني، ليكون في مقدمة مبايعي وليّ العهد ووليّ وليّ العهد الجديدين.

في الواقع، يصعب إجراء أيّ مقارنة بين تجربة الاتحاد السوفياتي والتجربة السعودية وذلك على الرغم من أن البلدين مرّا في فترة جمود، خصوصا بعدما مرض الملك فهد في سنة 2000 وبعد المرض الطويل لليونيد بريجنيف الذي توفي سنة 1982.

حاول الاتحاد السوفياتي الخروج من مأزقه، ابتداء من 1985، عبر ميخائيل غورباتشوف الذي أتى بعد يوري أندروبوف وقسطنطين تشيرننكو اللذين أمضيا، معا، ثلاث سنوات في السلطة. لم يكن من أمل في إعادة الحياة إلى نظام يمتلك آلة عسكرية ضخمة واقتصادا هشّا، باع المواطن الأوهام. لم يكن ذلك ممكنا، لا عبر “غلاسنوست” ولا عبر “بريسترويكا”.

تكمن أهمّية السعودية في أنّها قادرة على صنع المفاجآت. لا بدّ من الاعتراف بأنّ عبدالله بن عبد العزيز وضع خلال السنوات العشر التي أمضاها ملكا الأسس لإصلاحات في العمق شملت مؤسسة الحكم ودور المرأة والبرامج التربوية والتنمية والإعلام. أخذت هذه الإصلاحات منحى جديدا مع صعود سلمان بن عبدالعزيز إلى العرش. في أشهر قليلة تغيّرت المملكة كلّيا. هناك طيّ لصفحة الجمود. هذا لا يعني أيّ انتقاص من الملك الراحل، لكنّ ما لا بدّ من الاعتراف به، قبل أيّ شيء آخر، أن سلمان بن عبدالعزيز ملك عصري وعملي في الوقت ذاته. ربّما أهم ما فيه أنّه يعرف المنطقة والعالم جيّدا ويعرف الناس بشكل عام.

كان سلمان بن عبدالعزيز مفاجأة لخصوم المملكة العربية السعودية أوّلا. ولذلك، لم يتردّد لحظة في التصدي للمؤامرة الكبرى التي كانت تستهدف المملكة انطلاقا من اليمن.

أمضت السعودية سنوات طويلة في شبه غياب عن اليمن، في وقت كانت إيران تعمل ليلا ونهارا من أجل تغيير طبيعة البلد، بدءا بتغيير طبيعة المجتمع الزيدي. فعلت ذلك عبر الحوثيين وغير الحوثيين بوسائل مباشرة وغير مباشرة. سعت حتّى إلى أن تكون لديها اختراقاتها في الوسط والجنوب الشافعيين…

لا تكتفي السعودية حاليا بإعادة ترتيب الداخل، حيث هناك مشاكل كبيرة، لكنها غير مستعصية، بل تعمل على إعادة التوازن إلى الإقليم. ليس صدفة أن الجهود السعودية لعبت دورها في إعادة الزخم للثورة السورية التي عادت تتقدّم في كلّ الاتجاهات.

هناك بكل بساطة قيادة جديدة في السعودية. هذه القيادة الشابة يرمز إليها وليّ وليّ العهد الجديد الأمير محمّد بن سلمان، الذي فجّر قدرات سلاح الجو السعودي والآلة العسكرية للمملكة عبر “عاصفة الحزم”. هذه العاصفة ليست مجرّد حملة عسكرية يشنّها تحالف عربي على “أنصار الله” في اليمن الذين عملوا ويعملون على تحويل البلد إلى مستعمرة إيرانية.

تتجدّد السعودية على كلّ المستويات. تتجدّد داخليا وعسكريا وسياسيا. قلائل، كانوا يتصوّرون أن لدى المملكة هذه القوّة النارية وهذه القدرة على تغيير الحالة العربية التي تتميّز أول ما تتميّز بحلول الميليشيات المذهبية التابعة لإيران مكان مؤسسات الدولة، بدءا بالعراق وصولا إلى لبنان مرورا بسوريا واليمن طبعا.

في أشهر قليلة، تغيّرت المنطقة. صار يحسب للمملكة حساب، كما في الماضي. انتعشت مصر. تعمّق التعاون بين دول مجلس التعاون في موازاة التنسيق المستمرّ مع المملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية. بدأ أخذ وردّ جديدان مع تركيا التي لا يزال على رئيسها رجب طيب أردوغان التخلّص من الكثير من عقده، كي يعيد العلاقات العربيةـ التركية إلى ما يفترض أن تكون عليه وكي تلعب تركيا، بفضل موقعها وإمكاناتها، الدور الإيجابي المطلوب في مجال المساعدة للتخلّص من النظام السوري.

غيّرت السعودية نظرة الخارج إلى المملكة…غيّرت في المنطقة وغيّرت في العالم، خصوصا بعدما أكّدت أن لديها حساباتها الإقليمية التي قد لا تتفق مع حسابات الآخرين، بمن في ذلك الإدارة الأميركية.

ثمّة مجال للتفاؤل بعدما تبيّن أنّه ليس صحيحا أنّ العرب ليسوا الرقم الصعب في المنطقة وأنّ من السهل شطبهم من المعادلة الشرق أوسطية.

إلى أي حدّ يمكن الذهاب في التفاؤل؟ الجواب صعب، لكنّ الأكيد أنه في غضون أسابيع، تغيّر المزاج في معظم الدول العربية. التغيّر في المزاج ليس مبنيا على أحلام وأوهام كما كانت عليه الحال في الماضي، أيام الناصرية والبعث والمقاومة الفلسطينية التي تريد تحرير القدس، عبر عمّان وبيروت، والشعارات الطنانة التي تتاجر بها حاليا إيران قائدة جبهة “الممانعة”.

التغيير قائم على معطيات ملموسة تترجمها “عاصفة الحزم”، من دون الاستخفاف بالصعوبات الداخلية وما خلفته سنوات طويلة من الجمود. في تلك السنوات، لم يكن من يتجرّأ عن المسّ بالبرامج التربوية والتساؤل: ما الذي نعلّمه لأولادنا ولماذا تخرّج إرهابيون من مدارسنا؟

نعم، إلى هذا الحدّ تغيّرت السعودية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى هذا الحدّ تغيّرت السعودية… إلى هذا الحدّ تغيّرت السعودية…



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon