توقيت القاهرة المحلي 06:19:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بان كي مون في المغرب العربي.. أو غياب الرؤية

  مصر اليوم -

بان كي مون في المغرب العربي أو غياب الرؤية

خيرالله خيرالله

بان كي مون جاء إلى المغرب العربي في التوقيت الخطأ من أجل معالجة الملف الخطأ. جاء لافتعال قضية في حكم المنتهية منذ فترة طويلة.
لا بدّ من وضع الأمور في نصابها، خصوصا بعد التحرّك الذي قام به الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في منطقة المغرب العربي في سياق الجهود التي يظنّ أنه يبذلها لتسوية قضية الصحراء المغربية. كلّ ما فعله بان والمجموعة المرافقة له يتمثّل في الانضمام إلى لعبة منحازة لا أفق سياسيا لها تستهدف المغرب، كما تستهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة كلّها.
لم يكن التحرك الذي قام به بان كي مون والذي توّج بلقاء مع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة موفقا، خصوصا أن المغرب لم يكن مرتاحا لطروحاته وسدّ أبوابه في وجهه. كيف يمكن لشخص عاقل تجاهل أن قضية الصحراء هي نزاع مغربي – جزائري وأن الباقي تفاصيل، خصوصا بعدما خسرت الجزائر الحرب التي تشنّها بالواسطة على المغرب. هل جاء بان كي مون إلى المنطقة لمكافأة العدوان الجزائري على المغرب؟

غابت الرباط عمدا، عن الجولة المغاربية للأمين العام التي يبدو أن الهدف الوحيد منها تجاهل المبادرة المغربية الخاصة بالصحراء. تقوم هذه المبادرة التي سبق للأمم المتحدة أن اعتبرتها جديرة بالاهتمام على الحكم الذاتي للصحراء وذلك في إطار السيادة المغربية.

جاء بان كي مون إلى المنطقة للإيحاء بأنّ هناك لعبة أخرى في المدينة، كما يقول الأميركيون. لا وجود لمثل هذه اللعبة من قريب أو بعيد. كلّ ما هناك أن الأمين العام للأمم المتحدة سعى إلى تسويق أفكار بالية عفا عنها الزمن تقوم على تنظيم استفتاء في الصحراء بغية إعطاء أهلها حق تقرير المصير. من الصحراوي، ومن غير الصحراوي، الذي سيشارك في الاستفتاء، ما دام والد محمّد عبدالعزيز الأمين العام لجبهة “بوليساريو”، التي ليست سوى أداة جزائرية، كان عسكريا برتبة صف ضابط في القوات الملكية المغربية، وهو من منطقة جديدة الساحلية التي لا تبعد كثيرا عن الدار البيضاء.

كان مهمّا أن ينهي بان كي مون ولايته بطريقة أخرى تعكس رغبته في استيعاب المتغيرات التي تطرأ على القضايا والملفّات العالقة في أروقة المنظمة الدولية. مثل هذا الاستيعاب للأمور يسمح بتحقيق إيجابيات والتوصّل إلى حلول وتسويات.

استعاض عن ذلك بممارسة لعبة الموظّف الكبير الذي لا يمتلك أي موهبة سياسية من أي نوع كان، باستثناء قراءة الدرس الذي عليه تغييبه والتزام نص هذا الدرس بحرفيته من دون طرح أي أسئلة مفيدة من أيّ نوع كان. إنّه انعدام الرؤية بأبشع صوره لا أكثر.

في ضوء هذه المعطيات التي لا تبشّر بالخير، جاء بان كي مون إلى منطقة المغرب العربي للتأكّد من أن الأمم المتحدة عاجزة عن اتخاذ أي خطوة تصبّ في اتجاه الانتهاء من ملف الصحراء بشكل إيجابي. أراد، بكل بساطة، تأكيد أن الملفّ سينتقل إلى خلفه وسيبقى معلّقا من أجل تحقيق هدف واحد هو استنزاف المغرب المهتمّ أوّلا وأخيرا بالتنمية وتحسين الأحوال المعيشية للمواطن. تشمل هذه التنمية سكان المحافظات الصحراوية، وهم مواطنون في المملكة مثلهم مثل أي مواطن آخر في وجدة أو تطوان أو طنجة أو الرباط أو الدار البيضاء أو فاس أو مكناس أو مراكش.

لم يكن لدى العاهل المغربي الملك محمد السادس يوما أي طموح باستثناء الاهتمام بالمواطن المغربي ورفع مستوى معيشته. لذلك، ليس طبيعيا أن ينضمّ الأمين العام للأمم المتحدة إلى الحملة الجزائرية على المغرب.


ما يجعل المرء يشعر بخيبة، أنّ هذه الحملة لا تستهدف مواطني المملكة فقط، بمقدار ما أنّها تستهدف بقاء الصحراويين الموجودين في تندوف في حال من البؤس والتعبئة، بدل السماح لهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم والعيش بسلام وأمان في محافظات تتمتع بحكم ذاتي موسّع في ظل دستور عصري لا يختلف اثنان على أنّه يوفّر كل الضمانات المطلوبة للمواطن. هل قرأ بان كي مون نصّ الدستور المغربي الجديد، وما يتضمنّه من ضمانات للمواطن وللأحزاب السياسية على كلّ صعيد؟

لو كان لدى الأمين العام للأمم المتحدة مقدارا من الفكر السياسي الخلاّق، لكان اعتبر أنّ واجبه الأول يتطلب إنقاذ المقيمين في مخيمات تندوف من الأسر. في استطاعته خدمة الصحراويين، بدل البقاء في أسر نصوص لا علاقة لها بالواقع.

بالنسبة إلى المغرب، انتهت حرب الصحراء منذ فترة طويلة. ملفّ الصحراء جزء من الماضي. هناك من حاول استخدامه ورقة ضدّه وفشل في ذلك. لن ينجح بان كي مون حيث فشلت الجزائر التي ترفض الاعتراف بأنّ مشكلتها مع شعبها ومع الإرهاب، وليست مع المغرب. هناك صفحة طواها المغرب منذ استطاع الانتصار في هذه الحرب التي كان يغذّيها في مرحلة معيّنة مجنون اسمه معمّر القذافي.

معركة المغرب من نوع آخر. هذا ما لم يستطع الأمين العام للأمم المتحدة استيعابه بأي شكل. معركته مع الإرهاب والتطرّف. معركة المغرب مع الفقر الذي يولد منه الإرهاب والتطرف ويوفّر حاضنة لهما. معركة المغرب مع تطوير البرامج التعليمية وخلق فرص عمل للشباب المغربي. معركة المغرب في الرهان على الطاقة الشمسية.

جاء بان كي مون إلى المغرب العربي في التوقيت الخطأ من أجل معالجة الملفّ الخطأ. جاء لافتعال قضيّة في حكم المنتهية منذ فترة طويلة. هل مهمّة الأمين العام للأمم المتحدة إحياء قضايا معيّنة طواها الزمن من أجل الإساءة إلى دول معيّنة ليس إلا؟

إذا كان من خدمة يستطيع بان تقديمها إلى الصحراويين، لماذا لا يطلب من الجزائر أن تقيم لهم دولة في أراضيها. كل الجنوب الجزائري مليء بالصحراويين. كل الشريط الممتد من موريتانيا وصولا إلى جنوب السودان، شريط صحراوي. أما لماذا هذا الانحياز إلى الجزائر ضدّ المغرب، فهذا أمر أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه في غاية الغرابة.

في الأشهر القليلة الباقية من ولايته الثانية والأخيرة، يجدر بالأمين العام للأمم المتحدة النظر إلى بعيد. لعلّ أوّل ما يفترض به النظر إليه هو كيفية إيجاد إطار إقليمي تتعاون فيه كلّ دول المنطقة، من بينها الجزائر، من أجل مكافحة الإرهاب. المشكلة مرتبطة إلى حدّ كبير بالأراضي الليبية التي صارت مسرحا لـ”داعش” وما شابه “داعش”. المشكلة الموازية في الساحل الصحراوي حيث لا يمكن القول إن الجزائر تلعب دورا إيجابيا في مجال مكافحة الإرهاب. أكثر من ذلك، لم يعد سرّا أن وجود جبهة “بوليساريو”، التي ليست سوى أداة جزائرية، والتي تستخدم المساعدات الدولية لأغراض خاصة بها لا تخدم بأي شكل الصحراويين الأسرى في تندوف.

هل فات بان كي مون هذا الواقع، أم أنّ كل همّه محصور في ضمان بقاء ملف الصحراء مفتوحا، أقلّه نظريا، في غياب القدرة على الاعتراف بأنه صار من الماضي منذ زمن طويل، علما أنّه في حال كان مطلوبا التوصل إلى حلّ نهائي، فإن هذا الحلّ في متناول اليد اليوم قبل غد. إنّه الحل المغربي الذي لا وجود لحل غيره في حال كان المطلوب خدمة المنطقة والاستقرار فيها، بما في ذلك خدمة الجزائر وإخراجها من أزمتها المستعصية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بان كي مون في المغرب العربي أو غياب الرؤية بان كي مون في المغرب العربي أو غياب الرؤية



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon