توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جديد العرب انطلاقًا من اليمن

  مصر اليوم -

جديد العرب انطلاقًا من اليمن

خيرالله خيرالله

كان توقّف “عاصفة الحزم”، دون أي تراجع في العزم، وبدء “عاصفة إعادة الأمل” دليلا على أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها العرب إنّما يحاولون استعادة اليمن إلى الحضن الخليجي والعربي الدافئ. يتبيّن، يوما بعد يوم، أنّ لا وجود لأي نيات عدوانية خليجية تجاه اليمن. على العكس من ذلك، هناك سعي دائم إلى المحافظة على اليمن من جهة، ومنع تحوّله إلى قاعدة انطلاق لعمليات عدائية تجاه جيرانه، على رأسهم المملكة العربية السعودية من جهة أخرى.

لم يكن من خيار آخر غير اللجوء إلى العمل العسكري بعدما تمادت إيران في وضع يدها على اليمن مستخدمة الميليشيات الحوثية التي أعلنت صراحة بلسان زعيمها عبدالملك الحوثي وجود شرعية جديدة هي “الشرعية الثورية”.

من لديه أدنى شكّ في النيّات الإيرانية، يستطيع العودة إلى الخطابات المتتالية للحوثي، خصوصا منذ وضع يده على صنعاء يوم الواحد والعشرين من سبتمبر الماضي.

تسلّل الحوثيون (أنصار الله) إلى العاصمة وأقاموا حواجز فيها واعتصموا في أماكن معيّنة بحجة الاعتراض على رفع الدعم عن مواد أساسية للمواطن. لم يكن الاعتراض على “الجرعة” سوى مبرر واه لمتابعة حملة عسكرية توّجت باحتلال العاصمة والسيطرة على المؤسسات الرسمية كلّها.

استفاد “أنصار الله” ومن خلفهم إيران من تردّد الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي الذي تصرّف منذ تسلمه مقاليد الرئاسة من علي عبدالله صالح في فبراير 2012 بطريقة تذكّر بأنّه مجرد سياسي هاو، ليس لديه وقت سوى لتصفية حساباته مع هذا الطرف أو ذاك. بدا كأنّه يريد الانتقام من عُقد ولدتها سنوات طويلة عاش خلالها في ظلّ علي عبدالله صالح نائبا للرئيس… من دون صلاحيات.

لعب “أنصار الله” على كلّ التناقضات. كانوا الطرف السياسي الوحيد الذي يعرف ماذا يريد قبل أن تتنبّه السعودية إلى نواياهم الحقيقية التي بدأت تتبلور في الأسابيع والأشهر التي تلت السيطرة على صنعاء، ووضع عبدربّه منصور ورئيس الحكومة خالد بحاح في الإقامة الجبرية.

راح الحوثيون يتمددون في كلّ الاتجاهات. سيطروا عمليا على مواقع إستراتيجية مثل ميناء الحديدة، وهو من أهمّ الموانئ على البحر الأحمر. كانت عدن، بالنسبة إليهم، الجائزة الكبرى وقد استطاعوا الوصول إليها بعد أن سهّل لهم علي عبدالله صالح ذلك بفضل القطع العسكرية التي ما زالت موالية له. هذه القطع موزّعة في أنحاء مختلفة من البلد، بما في ذلك المناطق المحيطة بتعز، ومناطق تفصل بينها وبين عدن.

في كلّ الأحوال، كان الاعتقاد السائد لدى الإيرانيين أن الحوثيين بصدد فرض أمر واقع بات يسمح لكبار المسؤولين في “الجمهورية الإسلامية” بالقول إن طهران تسيطر على أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. لماذا لا تسيطر على عاصمة سابقة هي عدن، لا تزال نظريا العاصمة الاقتصادية والشتوية لليمن؟

لم تنطل اللعبة الإيرانية، التي كان اليمن مسرحها، على أحد في الخليج. قامت هذه اللعبة على فرضية أن المملكة العربية السعودية ستبقى في موضع المتفرّج في انتظار اليوم الذي تُنصب فيه صواريخ إيرانية تهدّد مدنها ومنشآتها انطلاقا من جبال اليمن. لا شكّ أنّ ما أثار كلّ نوع من الشكوك كان بدء تحويل ميناء الحديدة إلى ميناء إيراني، وفتح مطار صنعاء أمام كلّ نوع من أنواع البضائع الإيرانية بعد توقيع اتفاق جوي، لا شرعية له من أي نوع، بين الحوثيين والسلطات في طهران.

لم تكن “عاصفة الحزم” هجوما سعوديا على اليمن. كذلك، لم تكن هجوما خليجيا عليه. كانت هناك رغبة في تأكيد أن العرب ما زالوا على خريطة المنطقة. تلك رسالة الملك سلمان بن عبدالعزيز التي عبّرت عن الصحوة العربية بمجرّد انطلاق أول طائرة سعودية لضرب أهداف حوثية في اليمن. لعلّ أفضل من لخّص الموقف الخليجي الشيخ محمد بن زايد وليّ عهد أبوظبي الذي زار قبل أيّام قاعدة الملك فهد الجويّة لتفقد القوات الإماراتية المشاركة في “عاصفة الحزم” ولتأكيد أن الموقف الخليجي واحد. قال الشيخ محمّد إنّ “خيارنا الوحيد الانتصار في امتحان اليمن لصالح منبع العروبة والمنطقة”.

يعرف ولي عهد أبوظبي تماما ماذا يعني اليمن عربيا، فوالده الشيخ زايد، رحمه الله، أعاد بناء سد مأرب الذي شتت انهياره القبائل العربية. وقد أشرف الشيخ زايد بنفسه على افتتاح السدّ الجديد في العام 1986. هناك، بكلّ بساطة، بعد عربي للحدث اليمني. والأهمّ من ذلك كلّه أن الحدث اليمني كشف حجم التحديات التي تواجه العالم العربي. لذلك شدّد محمّد بن زايد على أنّ “الدول العربية في أمسّ الحاجة في هذه المرحلة الدقيقة إلى التضامن والتكاتف والتآزر لمواجهة الأطماع ومختلف التحديات. وعلينا بناء إطار سياسي وعسكري وتنموي متقدّم من أجل عزّة العرب ومكانتهم في المنطقة والعالم”، موضحا “أنّ التحرّك لإنقاذ اليمن لا يقتصر على الجانب العسكري أو الأمني، بل سيمتد إلى الجوانب التنموية والاقتصادية والإنسانية والاجتماعية لأهمّيتها في دعم الشعب اليمني كي يتمكّن من التغلّب على التحدّيات كافة”.

كان لـ”عاصفة الحزم”، ولا يزال لها، معناها. فالهدف من العمل العسكري إفهام كلّ من يعنيه الأمر أن لا مجال لوضع اليد على اليمن واستخدامه في ابتزاز السعودية ودول الخليج العربية. إذا كانت الإدارة الأميركية مستعدة لترك إيران تجمع أوراقا في المنطقة لتعزيز موقفها التفاوضي في شأن ملفّها النووي، فهذا شأن الولايات المتحدة. لكنّ للعرب حساباتهم أيضا. تشمل هذه الحسابات وضع حدّ للتمدد الإيراني في اليمن وغير اليمن، والعمل في الوقت ذاته على الخطّ السياسي والتنموي والإنساني الذي تعبّر عنه “عاصفة إعادة الأمل”.

المهمّ وسط كلّ ما يجري أن الرهانات على التفريق بين الدول العربية المشاركة في “عاصفة الحزم” لم تكن في محلّها. لا وجود لضربات عسكرية من أجل الضربات العسكرية. هناك مقاربة شاملة للموضوع اليمني. هناك أيضا إدراك في العمق لما هو على المحكّ بالنسبة إلى مستقبل المنطقة الخليجية. فوق ذلك كلّه، هناك استيعاب لفكرة أن إيران تراهن على الكسل العربي، وعلى نوع من السذاجة في فهم طبيعة العلاقة بينها وبين “أنصار الله”.

هذه العلاقة عضوية وعميقة أكثر بكثير مما يُعتقد. هذا لم يعد سرّا. ما لم يعد سرّا أيضا أن هناك قوّة عربية مستعدة للمواجهة ولطرح الحلول السياسية، التي لا تستبعد أحدا، متى آن أوان ذلك. إنّه الجديد العربي انطلاقا من اليمن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جديد العرب انطلاقًا من اليمن جديد العرب انطلاقًا من اليمن



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon